انتقلت عملية «فجر الأوديسة» ضد ليبيا من مرحلة قصف الدفاعات الجوية والمدرعات الى مرحلة قطع خطوط إمداد قوات العقيد معمر القذافي، الذي لا يزال يحرّض القبائل للسيطرة على بنغازي، حيث معقل الثواربعد إعلان نجاح الجولة الأولى من الضربات التي استهدفت أنظمة الدفاع الجوي والمدرعات التابعة لقوات العقيد معمر القذافي، قرب خطوط الثوار، بدأت المرحلة الثانية من التحرك العسكري التي تتمثل في مهاجمة خطوط الإمداد للقوات الحكومية لشلّ قدراتها.
وبشأن مسألة استهداف العقيد الليبي، أعلن مسؤول في البيت الأبيض أن العمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف في ليبيا تهدف الى حماية المدنيين ولا تستهدف القذافي. وقال المسؤول بن رودس، من على متن طائرة الرئاسة الأميركية أثناء توجهها من البرازيل الى تشيلي، «إن الضربات ليست معنية بتغيير النظام».
وفي السياق، قال قائد القيادة الأفريقية للقوات الأميركية، الجنرال كارتر هام، إن القوات الأميركية وقوات التحالف موجودة هناك لحماية المدنيين لا لتوفير دعم جوي لقوات المعارضة التي تقاتل القذافي، أو لاستهداف الزعيم الليبي. وأضاف إن قوات التحالف لا تسعى الى تدمير الجيش الليبي بصورة تامة، ولا تستهدف إلا من يتحدّون التفويض الدولي بفرض منطقة حظر الطيران. وتابع إنه «ليس لديه أوامر بمهاجمة الزعيم الليبي مباشرة».
وظهر تباين بين المسؤولين في بريطانيا، حسمه قائد الجيش البريطاني، الجنرال ديفيد ريتشاردز، بقوله إن القذافي «قطعاً ليس هدفاً» للعمل العسكري. وأوضح، رداً على سؤال لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» بشأن إمكان استهداف القذافي، «قطعاً لا. هذا أمر غير مسموح به بموجب القرار الدولي، ولا أودّ الخوض في مزيد من النقاش لهذا الأمر».
وجاءت هذه المواقف عقب إعلان وزير الدفاع، ليام فوكس، أن الزعيم الليبي قد يكون هدفاً شرعياً للحملة العسكرية الدولية. كذلك قال وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، رداً على سؤال عما إذا كانت بريطانيا لديها تخويل بقتل القذافي إذا ما واصل مهاجمة شعبه، «لن أصدر تكهنات بشأن الأهداف. كل شيء يعتمد على الظروف في وقتها».
وفي روما، أعلن وزير الدفاع الإيطالي، إنياتسيو لاروسّا، أن التدخل العسكري «مستمر طالما كان مهماً لحماية الشعب الليبي وليس لهدف آخر، فليس في القرار الأممي وجوب طرد القذافي». ولفت إلى أن العمليات «بالطبع تنطوي أيضاً على (دعم) الاستقرار في المنطقة وحماية مصالحنا» فيها، مشيراً إلى أن إيطاليا «ترى أن من المناسب نقل قيادة العمليات إلى حلف شمالي الأطلسي».
بدوره، حذّر وزير خارجية إيطاليا، فرانكو فراتيني، إذا لم يجر الاتفاق على تنسيق بقيادة حلف الأطلسي لعملية ليبيا، فستستأنف إيطاليا السيطرة على القواعد الإيطالية. وفي ما يتعلق بدور مرتقب للحلف الأطلسي في المشاركة بالعمليات ضد ليبيا، التقى مندوبو الحلف أمس في بروكسل، لمحاولة حل الخلافات على هذا الصعيد.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي، آلان جوبيه، الذي عارضت بلاده مشاركة الحلف، أن الأطلسي «مستعد لدعم» تدخل التحالف الدولي في ليبيا في «غضون بضعة أيام». وأضاف «إن التنسيق بالنسبة إلى هذا التدخل يتم عبر الولايات المتحدة بتعاون وثيق مع فرنسا وبريطانيا»، معلناً أن «الحلف الأطلسي مستعد خلال أيام لتقديم الدعم» للتدخل في ليبيا.
وفي السياق، طلب الاتحاد الأوروبي أمس إثر اجتماع في بروكسل من الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن، كاثرين آشتون، إجراء المزيد من التخطيط بالتنسيق مع قرار مجلس الأمن الرقم 1973 وإعلان المجلس الأوروبي في 11 آذار 2011 عن دعم المساعدات الإنسانية وعمليات حماية المدنيين من خلال وسائل بحرية. وشدد على ضرورة أن يحصل كل ذلك بالتنسيق الوثيق مع الأمم المتحدة وحلف شمالي الأطلسي وغيرها، وأن تواصل آشتون التنسيق مع الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، ودول المنطقة وبينها مصر وتونس.
ورفع الاتحاد من خمسة الى 14 عدد الكيانات المالية الليبية المستهدفة بعقوبات، مع إضافة مؤسسات وبنوك وشركات استثمار وهيئات تابعة للدولة.
في هذا الوقت، أكدت دولة الإمارات العربية المتحدة أن دورها في ليبيا يقتصر على تقديم «المساعدات الإنسانية»، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية.
على الصعيد الميداني، قال متحدث باسم القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، فينس كراولي، إن التحالف العسكري أطلق ما بين 10 و12 صاروخاً على أهداف في ليبيا خلال الليل (أول من أمس). وأضاف إن عدد الضربات الصاروخية التي شنها التحالف تراجع بدرجة كبيرة عن الليالي الماضية. فقد أطلقت قوات التحالف 110 صواريخ على 22 هدفاً ليبياً يوم السبت الماضي.
وقال المتحدث باسم القوات المسلحة الفرنسية، تييري بيركار، إن فرنسا أرسلت 20 طائرة عسكرية فوق ليبيا، لكنها لم تنفذ أي ضربة جوية حتى ساعة متأخرة أمس.
وأضاف إن حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول» ستصل إلى موقعها، وستكون مستعدة للمشاركة في العملية في ليبيا بدءاً من اليوم.
وفي الوقائع، دمّر صاروخ مبنىً إدارياً داخل مجمّع مقر إقامة القذافي في جنوب طرابلس. وقال مسؤول عسكري في التحالف إنه يؤوي مركز «قيادة ومراقبة» للقوات الحكومية، ويقع على بعد نحو خمسين متراً من الخيمة التي اعتاد القذافي أن يستقبل فيها زواره.
من جهة ثانية، أفاد سكان بأن قوات القذافي تقصف منذ ثلاثة أيام منطقة الجبل الغربي (جنوب غرب طرابلس)، وخصوصاً مدينتي الزنتان ويفرن اللتين يسيطر عليهما الثوار.
وأفاد شاهد في يفرن بأن قوات القذافي تمكنت من استعادة السيطرة على قرية مجاورة لهذه المدينة التي تبعد 60 كيلومتراً شرقي الزنتان.
من ناحية ثانية، قال متحدث باسم الثوار إن قوات العقيد القذافي تأتي بمدنيين من بلدات مجاورة لمدينة مصراتة الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة لاستخدامهم دروعاً بشرية.
وأبلغ أحد السكان أن قوات القذافي، التي ترتدي ملابس مدنية، دخلت المدينة. وأضافوا إن قناصة يقفون فوق أسطح المباني ويطلقون النيران على من يدخل في نطاق مرماهم.
وقال حسن، وهو متحدث باسم المعارضة، «قوات القذافي تخرج الناس من منازلهم بزاوية المحجوب والغيران قسراً، وتعطيهم صور القذافي والعلم الأخضر (علم ليبيا الرسمي) ليهتفوا للقذافي».
وفي السياق، قالت وزارة الدفاع البريطانية إن طائراتها الحربية ألغت مهمة أثناء الليل لوجود مدنيين بالقرب من الهدف. وقال مسؤول الاتصالات الاستراتيجية في هيئة أركان الدفاع، الميجر جنرال جون لوريمر، «عندما اقتربت الطائرات من طراز تورنيدو جي. آر 4 التابعة للسلاح الجوي الملكي، ورد المزيد من المعلومات التي حددت عدد المدنيين في نطاق المنطقة المزمع استهدافها. نتيجة لهذا، اتخذ قرار بعدم إطلاق نيران».
وفي الشرق، أفادت الأنباء بأن القوات الحكومية الليبية التي شنت هجوماً صباح السبت على مدينة بنغازي (شرق)، تراجعت حتى أجدابيا على بعد 160 كيلومتراً جنوباً.
في هذا الوقت، قال المتحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي، عبد الحفيظ غوقة، إنه لن يتفاوض مع معمر القذافي لوضع نهاية للحرب في ليبيا. وأضاف إن مقاتلي المعارضة المسلحة يخوضون حالياً حرب استنزاف فرضها القذافي عليهم، ولهذا فهم يرفضون التفاوض معه، مضيفاً إنه مطلوب دولياً كمجرم حرب وسيحاكم على أعمال الإبادة الجماعيّة التي ارتكبها ضدّ شعبه.
من جهة أخرى، دعا العقيد القذافي القبائل الليبية الى تنظيم مسيرة من كل أنحاء ليبيا في اتجاه بنغازي، معقل الثورة التي انطلقت قبل شهر ضد نظامه، يحمل المشاركون فيها «أغصان الزيتون» لحل الأزمة الراهنة سلمياً، حسبما أفادت وكالة الأنباء الليبية الرسمية.
وقالت الوكالة إن هذه الدعوة للقبائل «لحل مشاكلها في ما بينها بطريقة سلمية، ولتفويت الفرصة على الأعداء الذين يسعون الى تفتيت ليبيا وسلب ثرواتها».
ووعد القذافي، بحسب الوكالة، بالإفراج عن ثوار من أبناء بنغازي اعتقلتهم الكتائب الأمنية التابعة له، مؤكداً أنهم سيشاركون في هذه المسيرة.
الى ذلك، أعلن وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، الإفراج عن أربعة صحافيين يعملون لحساب صحيفة «نيويورك تايمز»، كانت القوات الموالية للقذافي قد اعتقلتهم في ليبيا، وأنهم في السفارة التركية في طرابلس. وقال الوزير للصحافيين «بناءً على طلب أميركي أمس (الأحد) قمنا بإجراءات وتمكّنّا من الإفراج عن الصحافيين بفضل تعاون السلطات الليبية».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)