بعد نصف قرن من النضال
نتمنّى عليكم، عملاً بأصول الزمالة المهنية، نشر التعليق الآتي على ما ورد في صحيفتكم من أقوال منسوبة إليّ في مسلسل «ويكيليكس»:

مع استمرار واستغلال مسلسل «ويكيليكس» المثير بتقاريره والأقل إثارةً بـ«حشواته» وتلفيقاته، وخصوصاً بعناوينه المركّبة بنيّة التخوين، تستمر حملة التهويل الموجهة ضد كل الذين أخرجوا عام 2006 «حزب الله» من ورطته، ولبنان من مأساته، والجنوب من الأتون الذي دُفع إليه بناءً على حساب خاطئ أقر به السيد حسن نصر الله بنفسه، عندما اعترف بأنه «لم يقدّر ردّ فعل العدو الغادر على عملية اختطاف الجنود الصهاينة».
لقد سبق لي أن نفيت معظم ما ينشر تأويلاً أكثر منه تقويلاً ومنسوباً إلى «ويكيليكس». واليوم أنفي مجدداً وعلى نحو قاطع التحريف الفاضح المستعمل في هذه التقارير عن مرحلة كنا نناضل فيها في حكومة الرئيس السنيورة للإتيان بأفضل قرار وبأقل الأضرار وفي أسوأ الظروف وخارج الفصل السابع، ساعين بذلك طبعاً الى تأكيد سيادة لبنان وتثبيتها ووحدة مؤسساته الشرعية بعد استعادة أرضه المحتلة وتضميد جراحه، فيما كان البعض يحاول مذذاك التغطية على مغامراته بمصير البلاد وحياة العباد عبر تخوين الآخرين، ولا يزال.
وبالمناسبة أريد أن أؤكد على الآتي:
1ـــــ بعد نصف قرن من النضال ضد كل المشاريع المشبوهة من أحلاف وتقسيم وتفتيت، وبعد مناصرة العملاقين كمال جنبلاط وموسى الصدر، ومقاومة الاجتياح والاحتلال الإسرائيليين وإسقاط اتفاق 17 أيار والعمل على إعداد الطائف تحت رعاية الرئيس الشهيد رفيق الحريري إنهاءً للحرب الأهلية، وبعد التصدي لمؤامرة التمديد ومسلسل الاغتيال والانقلاب الزاحف من جانب نظام الوصاية وأدواته الأمنية، الأمر الذي عرّضني لأكثر من محاولة اغتيال: الأولى إسرائيلية في صيف 1982 والثانية قيد الكشف في خريف 2004، وبعد عقود من الاهتمام بهموم الناس المعيشية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والإنمائية والتربوية في كلّ المراكز التي تبوّأتها، لن أسمح لا لسفير من الخارج ولا لمهيمن من الداخل بأن يعلّمني أصول الالتزام الوطني والقومي.
2ـــــ إنني جهارة ضد السلاح غير الشرعي ولا علاقة لذلك بمن يحمله، حيث كنت مع الرئيس ميشال المر وزميليّ آنذاك في الحكومة محمد عبد الحميد بيضون وروجيه ديب في اللجنة التي حلت الميليشيات وجمعت السلاح الثقيل، وأنا أفتخر بهذا الإنجاز، كما أرى في هذا السلاح مصدراً للفتنة الداخلية واستدراجاً للعدوان الخارجي، ثم إن هذا السلاح يقضي بتداعيات وجوده أو استعماله، لا فرق، على آمال شعبنا، وخصوصاً شبابنا في بناء دولة حديثة حرة ديموقراطية عربية مزدهرة تلتزم واجبات لبنان التحريرية والدفاعية أسوةً بأشقائه العرب لا أكثر ولا أقل.
3ـــــ إنني لا أفهم هذا الإصرار على محاولات الاغتيال السياسي التي لم تتوقف منذ محاولة الاغتيال الجسدي تلازماً مع تأييدي المطلق ـــــ نعم المطلق ـــــ والمستمر للمحكمة الدولية في سعيها الى كشف الحقيقة ونصرة العدالة. كأنّ المقصود دائماً ألّا تُكشف هذه أو تتحقق تلك.
4ـــــ أما 5 و7 أيار ففي فمي وأفواه آخرين من رفاقي ماء غزير، وسأعود الى هذا الموضوع لاحقاً وبالتفصيل. أما في المبدأ، فلا أزال أعتبر أيّ منشأة عامة لا تخضع لما يفرضه الدستور والقوانين، غير شرعية. نعم غير شرعية مهما طال الزمن حتى إعادة استيعابها، تماماً كما السلاح، في مؤسسات الدولة الرسمية وتحت إشرافها.
5ـــــ إن الحملة التي لا تمثّل «ويكيليكس» إلا إحدى حلقاتها وربما الأضعف والأسخف، تحاول إظهارنا، مع زملاء لي والعديد من اللبنانيّين، بمظهر العداء المطلق لـ«حزب الله» أو الحذر من الطائفة الشيعية الكريمة. هذا مردود وغير صحيح. نعم، السلاح زينة الرجال لكن في الوطن الواحد الموحد تحت إمرة دولته وبتصرف جيشه الباسل ومؤازرته. ما نرفضه هو الاحتكار الحزبي لهذا السلاح وتوجيهه داخلياً أو الانفراد باستعماله خارجياً، بغفلة من الدولة وتجاوزاً لها.
إن ما نتمناه هو استمرار الطائفة الشيعية اللبنانية العربية المعروفة بوطنيتها ونزعتها القومية، طائفة جمهور الإمام موسى الصدر وخزان اليسار العروبي ورافد المقاومة الوطنية والحركة الديموقراطية والنقابية، خارج فخاخ أو أوهام سيطرة النظام الواحد والحزب الواحد والخطاب الواحد، فهي زينة لبنان برجالها ونسائها وشبابها، بمثقفيها وطلابها المميزين، بعمالها ومزارعيها المناضلين، وبمغتربيها الناجحين الصامدين.

النائب مروان حمادة