باريس | اهتمام غربي بما يحصل على الأرض الليبية كشفت عنه «مغامرة الفريق الدبلوماسي البريطاني»، الذي هو في الواقع عبارة عن مجموعة جنود من القوات الخاصة. اهتمام يتجاوز بكثير ما يصدر من تصريحات رسمية وما يبرزه الإعلام. في البداية، ألقى الموالون للرئيس الليبي القبض على ثلاثة جنود هولنديين بتهمة «دخول ليبيا من دون تصريح»، ثم احتجز الثوار أفراد قوات خاصة كانت ترافق «دبلوماسياً بريطانياً»، خوفاً من اتهامهم بالتعامل مع قوات أجنبية. وتفيد التسريبات من مصادر استخبارية متعددة بأن «عدداً من فرق الكوماندوس المنتمية إلى عدة جهات غربية باتت موجودة على الأرض الليبية، من دون التشاور مع أي من الفريقين المتحاربين». وفي لقاء خاص مع «الأخبار»، يبدأ أحد «الخبراء الغربيين» العائد لتوه من ليبيا، وهو مستعرب وينتمي إلى وحدة كوماندوس متخصصة بالعمل «خلف الخطوط»، بالحديث عن «أهمية ليبيا الاستراتيجية »، ويقول إن «القوى الغربية لا تستطيع ترك آبار النفط والمنابع من دون رقابة»، وذلك لتبرير عمل وحدات الكوماندوس التي تتنقل «بحرية، لكن مع أخذ بعض الاحتياطات» داخل الأراضي الليبية، مشيراً إلى أن المساحات الشاسعة في الوسط الليبي وطول الحدود تسهل عملها. ويؤكّد الخبير، الذي اشترط التكتم على هويته وجنسيته، أن «التعاون قائم بين عدد من الدول الغربية في هذا المجال». وهو إذ يرفض ذكر أسماء هذه الدول، إلا أنه يشير إلى أن عدداً من أفراد كتيبة «بلاك وتش» البريطانية، الشهيرة باسم «كتيبة اسكوتلندا الملكية»، هي التي تنسق هذه العمليات خلف الخطوط، وإن «كان لبعض هذه الوحدات حريّة المبادرة لتأمين مصالح البلدان التي تنتمي إليها».
ونفى الخبير أي تواصل للفرقة التي عمل معها مع أي من الفريقين المتنازعين. ويشير إلى أن أمام هذه الفرق عدداً من المهمات السرية:
١ ــ تأمين حماية للمنشآت النفطية بشكل يمنع أي فريق من القيام بعمليات تخريب لها.
٢ــ البقاء على تواصل مع مراكز متابعة تحرك المجموعات الإرهابية في منطقة الساحل، ومنع هذه الأخيرة من الاستفادة من الفراغ الأمني في مناطق الغرب والجنوب.
٣ ــ التواصل مع القبائل في الصحراء «التي لا تعرف ما معنى الحدود الدولية»، وخصوصاً الطوارق والتبو، «ومراقبة تحركاتها».
٤ ــ مراقبة ميزان القوى على الأرض ومقارنته مع المعلومات المستقاة من المتابعة عن بعد (الأقمار الصناعية والتنصت الإلكتروني وتقارير العملاء).
إلا أن مصادر أخرى تفيد بأن العمل جار على وضع معالم وإشارات ضوئية وإلكترونية، تحضيراً لعمليات يمكن أن تقوم بها قوات غربية، مثل قصف مراكز معينة أو استقبال طوافات وطائرات في الليل في مناطق نائية.
ويشرح الخبير أن الجيش الليبي، الذي يبلغ تعداده ٧٤ ألف عسكري، عاجز عن تأمين حدود ليبيا وضبط كل مناطقها لأن تركيبته «غريبة». ويوضح أن ٣٤ ألف عنصر فقط مدربون على القتال. ويضيف إنه قبل انطلاق الثورة لم يكن هؤلاء مجهزين بالذخائر، كما أن وجود ٢٠٠٠ دبابة لدى الجيش، لا يعني أي مقدرة قتالية، إذ إن ٧٠٠ منها فقط مجهّزة للقتال.
ويؤكّد الخبير أن عديد ما يسمّى «الكتائب الشعبية»، التي يدّعي القذافي أنها تضمّ «مليون شخص»، لا يتجاوز ٥٠ ألفاً، وهي مدرّبة تدريباً جيداً «وهي التي تمسك الغرب الليبي» وتمنع انهيار النظام. ويشرح أن معظم هؤلاء ينتمون إلى القبائل الموجودة في الغرب، ويفسّر هذا سبب «استيعاب» الضربات الأولى قبل البدء بهجوم معاكس. ويضيف إن «الحديث عن انقسام الجيش ليس أفقياً، أي أن الأفراد المنتمين إلى القبائل الغربية كانوا يتمركزون في الغرب، وأن الموجودين في الشرق كانوا من أهالي المناطق المحيطة ببنغازي، ولم يكونوا مسلّحين تسليحاً كافياً، وهو ما يفسّر عجزهم عن ترجمة تحركاتهم إلى مكاسب على الأرض خارج نطاق بنغازي».
ويرى الخبير أن الحديث عن وجود مكثّف للمرتزقة على الأرض مبالغ فيه. ويضيف إنه «لم ير بأمّ عينه أي مرتزق». ويشرح أن الحديث عن مرتزقة من الطوارق مخالف للواقع. ويذكر أن «تحالفاً من النيجر والجزائر ومالي قاده القذافي، وشاركت فيه التشاد، حارب الطوارق قبل سنوات، ولا يزال ثأر الدم قائماً بين الطوارق عموماً وبين القذافي». ويضيف إن «بعض الذين قبض عليهم لا يمثلون مرتزقة بالشكل المتفق عليه عسكرياً». ويشدد على أن «الفريقين المتقاتلين يقودان حملتي تضليل متبادل»، فمن جهة، يعرف الجميع «أسطورة القذافي وأفريقيا»، ما يسهّل تسريب شائعات عن «آلاف المرتزقة»، بينما يشدد خطاب القذافي على «القاعدة والمهاجرين».
أما من ناحية «اللعبة السياسية»، فيقول الخبير إن النظام «يلعب على العداء القديم بين بنغازي وطرابلس». ورغم الإشارة إلى أن «أهل طرابلس مجبرون على إظهار تعاطف» مع الديكتاتور، إلا أنه يحذر من أن القتال يتوجه إلى أحد السيناريوهين البسيطين، إما «حرب أهلية تدوم سنوات وسنوات» من دون توقف لضخ النفط، وهو ما يمكن أن يغذي الصراع إلى ما لا نهاية، أو «تقسيم البلد إلى شرق وغرب»، مع بقاء النظام «محصوراً» في الغرب من دون اعتراف دولي، ولكن مع « قدرات مالية» بسبب النفط تسمح بقدر ما من إشاعة عدم الاستقرار لضمان بقائه. ويقول، في هذا الصدد، إن المنطقتين الشرقية والغربية تمتلكان كل مقومات الدولة من جميع النواحي الاقتصادية، حيث يوجد النفط فيهما، ومن الناحية السياسية ـــــ القبلية هناك انسجام في مقومات مجتمعيهما (لهجات متباعدة)، بينما يفرقهما عدد من العوامل التي لم يتمكن الزمن من محوها منذ الاستقلال، وأسهم تعامل القذافي مع شرق بلاده في تأجيجها.
ويؤكد الخبير أن التدخل الغربي المباشر «يعني حرباً مفتوحة»، وهي يمكن أن تقلب ميزان التحالفات القبلية لمصلحة النظام، فـ«الجو العام تجاه الغرب لا يزال قذافياً من دون القذافي»، حسب قوله، في إشارة إلى الكره القبلي للتدخل الغربي، الذي من الممكن أن يعيد ترتيب الولاءات في الداخل.
كذلك فإن نتائج مثل هذه الحملة ليست مضمونة بتاتاً، بسبب المساحات الشاسعة التي يجب تأمينها، إضافة إلى الخوف من «تفجير آبار النفط وتجهيزات نقلها»، وقد يكون هذا سبب «تردد الغرب بحسم الخيار العسكري». ويرى أن «قصف العزيزية بقنابل ثقيلة» يمكن أن «يقتلع رأس الأفعى»، وأن هذا الاحتمال هو الذي يدفع أولاد القذافي للضغط للقبول بالوساطات، أو لعرض «خروج مشرّف» للديكتاتور وعائلته.