بات في حكم المؤكد أن مشهد انهيار الحزب الحاكم في مصر، وإحالة أبرز رجالاته على المحاكمة بتهم الفساد وسرقة المال العام، لم يغب عن ذهن نواب ورجالات حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن، منذ أن بدأت الاعتصامات المطالبة بتنحّي علي عبد الله صالح تتصاعد. وبينما لا يزال البعض متمسكاً بالوقوف إلى جانب صالح إدراكاً منهم لخطورة سقوطه وما قد يسببه لهم من مآزق، فإن آخرين بدأوا يتسابقون إلى القفز من سفينة صالح والمؤتمر الشعبي العام، بعدما أيقنوا أن سقوط النظام آتٍ لا محالة، فيما اختار آخرون الوقوف في الوسط، في محاولة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب.وإن كان بعض نواب الحزب الحاكم، من الذين أعلنوا مبكراً استقالاتهم احتجاجاً على أسلوب القمع الوحشي والبلطجة الذي اختارته السلطات في مواجهة المحتجين المسالمين، صادقين في خياراتهم، إلا أن وصول قائمة المستقيلين إلى كبار رجال الأعمال والمستفيدين من حكم صالح يشير بوضوح إلى محاولة هؤلاء نفض أيديهم مبكراً من صالح، في محاولة لحماية أموالهم التي جنوها من نهب أموال الشعب والتواطؤ المباشر مع رأس هرم النظام.
أبرز هؤلاء رجل الأعمال، رئيس اللجنة المالية في البرلمان اليمني، فتحي توفيق عبد الرحيم، الذي قدّم استقالته قبل أيام من الحزب الحاكم احتجاجاً على ما وصفه بـ«البلطجة» التي يمارسها الحزب الحاكم بحق المحتجّين السلميين.
تبريرات لا يبدو أنها قادرة على إقناع اليمنيين الذين يقترن ذكر النائب المستقيل ووالده توفيق لديهم بالفساد، وأزمات نفطية متكررة. وفيما يمتلك فتحي مع والده شركات تعمل في مجال النفط، تُتّهم العائلة، التي لطالما عرفت بقربها من الرئيس اليمني، بالدخول في شراكة تجارية معه، وتحديداً في عمليات تهريب البنزين المدعوم محلياً إلى دول الجوار، وبينها السعودية والصومال، لبيعه بأسعار أعلى.
وامتلأت الصحف اليمنية، خلال السنوات القليلة الماضية، بفضائح فتحي عبد الرحيم، ومنها تورّطه في تهريب كميات كبيرة من مادة البنزين والمازوت الخاصة بمؤسسة الكهرباء لحسابه الشخصي، من خلال شركاته التي تتعهد نقل المشتقات النفطية. رغبته في الثراء لا حدود لها، وقد أدخلته في مواجهات، مهما كان الثمن، مثلما حصل في العام الماضي حين هدد محافظ أبين، أحمد الميسري، بإقالته من منصبه بسبب معارضته احتكار مازوت مصنع الأسمنت.
وفي الجنوب أيضاً، تحوم شكوك حول صفقة مشبوهة عقدتها العائلة مع النظام، أفضت إلى وهب والده، الذي ورد اسمه في قائمة كوبونات نفط صدام حسين بحصوله على 1.5 مليون برميل، قطعة أرض تبلغ مساحتها 1267 متراً مربعاً في منطقة خور مكسر في الجنوب لبناء محطة خدمات نفطية خاصة.
أما نبيل الخامري، الذي يتولى منصب نائب رئيس المجلس الأعلى لشباب المؤتمر الشعبي العام، ففضائحه تمتد إلى المتاجرة بالسلاح. ويدرك اليمنيون أن صاحب مؤسسة الخامري للاستثمار، الذي نجح في الحصول على توكيلات كبرى الشركات العالمية، وبينها جنرال موتورز إلى جانب توكيل مطاعم الطازج، ما كان بإمكانه مواصلة نشاطاته الاستثمارية من دون الحصول على رضى الرئيس ونجله أحمد، وهو ما لم ينله إلا بدفع نسبة من الأرباح.
وبينما نجح الخامري في إدارة علاقته بالرئيس وعائلته حتى وقت قريب، فشل في احتواء خلافه مع عدد من أبناء قبيلة بني ضبيان الممتد منذ أكثر من عشر سنوات، نتيجة مطالبتهم له بدفع ثمن «بضاعة» اشتراها منهم دون أن يسدد ثمنها. وفيما كان طرفا النزاع يرفضان الحديث عن طبيعة البضاعة، كان وزير الداخلية مطهر المصري يكشف التفاصيل في عام 2009، مشيراً إلى أن البضاعة المختلف عليها ليست سوى «مادة الزئبق الأحمر»، التي يشاع أن الخامري باعها بـ٣ ملايين دولار، فيما رفض دفع ثمنها المحدد بقرابة نصف مليون دولار للذين وفّروها له، كذلك رفض قرار التحكيم القبلي الذي ألزمه بدفع مليون و١٦٨ ألف دولار، مدّعياً، وفق ما نقله أحد شيوخ القبائل الذين شاركوا في عملية التحكيم، أن البضاعة مزوّرة.
أما النائب المستقيل محمد عبد الإله القاضي، فلا ينسى اليمنيون فترة عمله في شركة الأدوية «يدكو»، عندما باع الوكالات التجارية لشركات الأدوية العالمية، التي كانت تمتلكها الشركة الحكومية لرجال أعمال يمنيين، في صفقات مشبوهة انتهت إلى إفلاس الشركة، ليقرر بعدها الانتقال إلى العمل السياسي، تارةً مع الرئيس وتارة ضده، قبل أن يقرر أخيراً الانسحاب من المؤتمر الشعبي.
وفي غمرة موجة الاستقالات، لا يزال البعض من نواب الحزب الحاكم يقفون في الوسط، بعدما اختاروا التلويح بالاستقالة وتجميد العضوية، في ظل حديث عن تلقّي هؤلاء النواب مبالغ مالية وصفقات جديدة من الرئيس، للمحافظة على وجودهم في الحزب الحاكم، فيما يلتزم المعتصمون اليمنيون المطالبون بإسقاط صالح بالصمت حيال الاستقالات.
ويبدو أن المعتصمين يعتقدون أن كل نائب يخسره الحزب الحاكم في الوقت الراهن، مهما كان ماضيه، هو مكسب إضافي يسهم في زعزعة صالح، ولذلك يفضّلون التريّث في اتخاذ موقف واضح إلى حين نجاح الثورة في تحقيق أهدافها.