مع إطلاق سراح الناشط المصري وائل غنيم، باتت أمامنا صورة جزئيّة عن «مناضلي الكيبورد» الذين صنعوا ثورة مصر. صحيح أنّ نموذج وائل ورفاقه لا يمكن تعميمه على المواطنين المصريّين المتجمّعين في ميدان التحرير، لكنّه يقدّم لمحة عن الشباب الذين كانوا، على الأقلّ، وراء إنجاح الدعوة إلى التظاهرات.ظهر وائل في صورة «الأنتي ـــــ بطل»: في هروبه من العدسات لحظة إطلاق سراحه، في مظهره الخارجي، في عدم رغبته بادّعاء أيّ دور: «أنا كنت زمّارة»، أو أيّ سلطة: «نِفسي ما حدّش يعرف أنا ابن مين»، وهو الذي اعتاد العمل خلف الأضواء، من وراء شاشة الكمبيوتر. بكى أكثر من مرّة أمام الكاميرا، ولم يتردّد في مغادرة البرنامج التلفزيوني حين فقد السيطرة على عواطفه. قال ببساطة: «أنا عايز امشي»، ثمّ غادر الاستوديو على الهواء.
ثوّار الإنترنت لم يعلنوا انتهاء نوع من الأنظمة في منطقتنا وحسب، بل أعلنوا أيضاً بداية عصر جديد من المناضلين. مناضلون لا يشبهون الصورة النمطيّة عن الثوّار. فهم ليسوا «تقدّميّين» بالمعنى الذي ساد في العقود السابقة، بل يحملون الكثير من حسّ الناس ومن احترام التقاليد الاجتماعيّة. ولمّا لم يكن السلاح والعضلات جزءاً من عدّتهم، فإنّ منسوب الذكوريّة والشوفينية منخفض لديهم. ولعلّ علاقتهم بالكمبيوتر تجعلهم أقلّ ميلاً إلى «البهْوَرة» وأكثر التصاقاً بما هو حقيقيّ. وفقر المفردات لديهم لا يحجب وضوح الرؤية. فأهداف الثورة، وفقاً لغنيم، هي ثلاثة: إعادة الكرامة إلى المصريّين، محاربة كلّ أشكال الفساد، وإعادة الانتماء الوطني للشباب المصريّ. وما يجب الابتعاد عنه في هذه المرحلة هو ثلاثة أمور أيضاً: تصفية الحسابات، تقسيم الحصص، وفرض الأيديولوجيّات.
لا أحد يعرف كم يمكن ثورة من هذا النوع أن تصمد. وإن صمدت، فأيّ سلطة ستنجم عنها. ولا أحد يعرف من أيّ جهة قد يتعرّض هؤلاء الشباب للخيانة. لكنّ المؤكّد أنّنا أمام ثورة لا تشبه في شيء الصورة اللبنانيّة عنها. مشهد لقاء الأحزاب الداعم من بيروت لما يجري في مصر، مثير للشفقة حقاً. أمّا تجرّؤ أحد الخطباء على مقارنة ثورة أولئك الشباب بما جرى في بيروت من إزاحة للحريري وتنصيب لميقاتي في رئاسة الوزراء، فمثير للاشمئزاز، لا الشفقة وحسب.