القاهرة ــ شهداء الانتفاضة في مصر اقتربوا من الرقم 500، حسب تقديرات لجنة الشهداء التي تكوّنت في ميدان التحرير من بين المتظاهرين. التقديرات تتضمن شهداء من محافظات القاهرة والسويس والمنصورة والاسكندرية. وحسب اقتراحات من المتظاهرين، سيقام نصب تذكارى بأسمائهم في ميدان التحرير يتضمن معلومات عنهم. كثير ممن رحلوا لم تعرف أسرهم أنباء رحيلهم، إذ لم يُستدلّ على عناوينهم بعد، وآخرون رقدوا بسلام بعدما فجّروا شرارة الثورة. هنا عرض موجز لبعض الراحلين.
إسلام بكير

يضحك إسلام بكير (1989) في كل الصور التي وضعها على صفحته الخاصة على الفايسبوك. يفتح صدره للعالم ويفرد يديه كأنه يحتضن الدنيا الواسعة. أحلامه لم تكن كبيرة، بعدما تخرّج العام الماضي من كلية الآداب قسم الحضارات الأوروبية. لم يجد فرصة عمل، فتحول حلمه إلى فرصة البحث عن طريق للهجرة من وطن يقتل أحلام شبابه. صديقه حسن المشتولي كان قريباً منه يوم جمعة الغضب، كان يصوّره بكاميرا الموبايل قبل لحظات من استشهاده.
لم يكن إسلام منتمياً إلى أي حزب سياسي، أو جماعة، بل لم يكن يحب السياسة أو الحديث فيها. كان عائداً إلى منزله، لكن كل المداخل أغلقتها الشرطة، وكل الطرق كانت تؤدي إلى ميدان التحرير. هناك اكتشف ذاته، شباب في عمره، ما ينشدونه في تظاهراتهم يطلبه هو أيضاً ويسعى إليه، هتف معهم بأعلى صوته. أصابته الرصاصات المطاطية في قدمه، لكنها زادته عناداً. عاد يومها إلى بيته وهو أكثر تصميماً على الاستمرار حتى تتحقق أحلامه. نزل في يوم جمعة الغضب مرة أخرى، بعدما أقنع أصدقاءه بالنزول معه ومشاركته. كانوا يتبادلون تصوير أنفسهم بكاميرا الموبايل، فالصورة تاريخية لأنهم تظاهروا من أجل تغيير وطن، ليصبح أجمل. لم تكتمل الضحكة، رصاصات الشرطة اغتالت ضحكته وأحلامه. رصاص حيّ من قنّاص جبان وجّهه إلى ظهره.

سالي زهران

ابتسامة سالي زهران ماكرة. نظرتها إلى المستقبل، تسخر فيها من الطغاة وبلطجيتهم. سالي من جنوب مصر، من سوهاج تحديداً، جاءت الى القاهرة لتقيم بمفردها، بعدما تخرجت من كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية. لم تجد عملاً بسهولة في مدينة قاسية مثل القاهرة. عملت في الترجمة في بعض المكاتب الخاصة، ثم شاركت في بعض ورش العمل لتعليم الأطفال الرسم، كما عملت في إدارة إنتاج الأفلام التسجيلية والقصيرة لبعض القنوات الخاصة. أصدقاؤها يقولون إنه لا علاقة لها بالسياسة، عندما خرجت للتظاهر كانت مثل كل المصريين الحالمين بحياة كريمة، وسعيدة. قبل أن تخرج إلى تظاهرة الجمعة غيّرت صورة البروفايل الخاص بها على الفايسبوك، لتضع صورة للجماهير الثائرة في ميدان التحرير. نزلت في جمعة الغضب لتصيبها هراوات الأمن المركزى. فقدت وعيها قليلاً، وحملها الأصدقاء إلى المنزل. وكانت قد دخلت في غيبوبة وماتت بعد أيام.

أحمد بسيوني

موسيقي وفنان تشكيلي. ربما خرج احتجاجاً على «القبح» الذي ساد في حياتنا، عدم إدراك الجمال في ما يحيط بنا. ربما خرج لكي يرسم «صورة» للشعب الفرِح، الذي يعزف أجمل سمفونية في تاريخه: «الشعب يريد إسقاط النظام». بالتأكيد لم تكن ريشته معه وقت احتجاجات التحرير، ولا آلاته الموسيقية. سيختزن الصورة في عقله، ويستعيدها على مهل بعد سقوط «الصنم». بسيوني ( 1978)، أب لطفلين: سلمى وآدم، يعمل معيداً في كلية التربية الفنية في جامعة حلوان. ربما تبكي سلمى الآن لأن رصاصات الشرطة التي استقرت في صدر والدها حرمتها من أن يشاركها فرحة انتظاره اليومي، وهو عائد من عمله. ربما يرفض آدم أن ينام قبل أن يحكي له والده قصة قبل النوم. ربما وربما... لكن المؤكد أن كليهما عندما يكبران سيعرفان أن «دماء والدهما» التي سالت لم تذهب هدراً، هو صنع لهما مستقبلاً أجمل.

أحمد محمود

هو أول صحافي سالت دماؤه في التظاهرات. منذ عامين انتقلت مؤسسته المستقلة «التعاون» لتلتحق بمؤسسة «الأهرام»، في أكبر عملية فساد صحافي هندسها صفوت الشريف. أحمد لا يحب السياسة، كما تقول زوجته، لكنه كان يحب عمله، بل هو مغروس في السياسة ويرغب في تغيير الأوضاع الفاسدة، كما يقول أصدقاؤه الذين كانوا معه في تظاهرة يوم جمعة الغضب. أحمد يمتلك دار نشر صغيرة في ميدان لاظ أوغلى القريبة جداً من مبنى وزارة الداخلية. مثله مثل كثيرين كان يسجل وقائع تظاهرة ميدان التحرير بالكاميرا، أمر لم يعجب القناص. من مبنى الوزارة وجّه إليه رصاصة استقرت في عينيه، ليدخل في غيبوبة استمرت أربعة أيام ويرحل بعدها شهيداً.