الحزب الوطني الديموقراطي، الذي أجرى أول من أمس إقالات وتعيينات كانت عبارة عن تظهير لانتصار الجناح الأمني فيه (التابع لعمر سليمان) على الجناح السياسي (صفوت الشريف)، اسم جذاب اختاره الرئيس أنور السادات بعناية مستشارين أرادوا إقامة تواصل مع تاريخ قديم لحزب أحد زعماء الاستقلال (مصطفى كامل) وامتدادات الأحداث بعد قيام ثورة ١٩١٩.
والتمييز جاء عبر الانتساب الى الديموقراطية، مشروع السادات الذي لم يصنع به ديموقراطية بمعناها الكامل، لكنها كانت ذريعة لتفتيت نظام عبد الناصر، والعثور على غطاء جديد لحالة «الدولة تحت الإنشاء»، وبدلاً من أن يكون الغطاء إعادة هيكلة الدولة لتتوافق مع الاشتراكية، أصبح بناء دولة مؤسسات وقبول التعدّد الحزبي. وفي المرحلتين استمر عدم اكتمال بناء الدولة، وتضخّم الغطاء (الاشتراكي الثوري ثم الديموقراطي) ليسيطر على مشهد سياسي مصنوع، يتغير حسب أهواء مؤسسة الرئيس (لا الرئاسة).
لم يكن السادات في حاجة الى تسمية، لأن الواقع السياسي فرض عليه أن يكون هو «الحزب»، وأن يرتبط بمؤسسة الرئيس، ويمثّل الجناح (والجهاز) السياسي للحكم، إنه «الحزب» بالألف واللام، لا مجرد حزب من أحزاب. هو حزب الرئيس، ويكاد يكون استنساخاً للحزب الواحد، مع ديكور مختلف، وفي ظل دولة لم تكمل مؤسساتها السياسية رغم مرور أكثر من ٦٠ عاماً على وصول الجنرالات إلى الحكم.
مشروع تعدد الأحزاب كان معداً في قلب السلطة الناصرية، كما تردّد بين كتابات أقطابها، لكنه بدأ التنفيذ بعد حصول السادات على أسطورته الخاصة بقراره الحرب على إسرائيل في تشرين الأول ١٩٧٣.
الانتقال كان تدريجياً: قرار بإنشاء ٣ أحزاب ضمن الاتحاد الاشتراكي، الحزب الواحد الحاكم في ترتيب السلطة الناصرية، المنابر عمومية، يمين ويسار ووسط، واختار السادات الوسط. وترك الهوامش لزميليه في تنظيم الضباط الأحرار، خالد محيي الدين لليسار، ومصطفى كامل مراد لليمين.
الجسم الكبير للحزب الواحد كان اتجاهه الى منبر الرئيس، ومن بعده حزب الرئيس الذي سمّاه «مصر العربي الاشتراكي» مختصراً توجهات التنظيم السياسي للسلطة المبنية في زمن عبد الناصر (القومية والاشتراكية)، لكنه سرعان ما قرر التحول، والخروج من قميص عبد الناصر، متزامناً مع توقيع معاهدة كامب ديفيد، وقبلها الأزمة الكبرى التي واجهها النظام في انتفاضة الخبز ١٨ و ١٩ كانون الثاني ١٩٧٧.
الحزب الوطني الديموقراطي نشأ على نحو كاريكاتوري حينما رحل الرئيس السادات سنة ١٩٧٩ من حزبه (مصر العربي الاشتراكي)، وانسحب معه رهط كبير، بعدما اختار بعض رجاله وأقاربه الانضمام إلى حزب العمل الاشتراكي.
كانت «تقسيمة» جديدة أراد بها السادات التحول السياسي الكبير والسيطرة على النخبة المحيطة به، واختار المنتخب الذي يحكم من يومها إلى الآن. المنتخب صاعد من الاتحاد الاشتراكي إلى الحزب الوطني مطعّماً بالشخصيات الجديدة في تركيبة الحكم أمثال حسني مبارك، وفكري مكرم عبيد (سليل عائلة وفدية) ومنصور حسن، الرجل المدني القوي، الذي صعد في الحزب والحكومة بعدما أصبح وزيراً لشؤون الرئاسة، وترشح في دوائر عديدة على أنه «قد يكون أول رئيس مدني في مصر»، لكن بعد تصادمه مع مبارك (النائب وقتها)، استعدى عليه مرجعية الجنرالات وأبعد المنافس المدني.
الحزب بقي امتداداً لمؤسسة الرئيس في عصر مبارك، الذي انتقل معه جسم الاتحاد الاشتراكي وعناصره الفاعلة في النمودج، الذي كانت تمثله شخصية كبيرة مثل كمال الشاذلي، الذي أدار الحزب ميدانياً كجناح سياسي للجمهورية التسلطية، لا مجرد حزب سياسي ينافس بقية أحزاب وضعها الجناح الأمني منذ إحباط انتفاضة كانون الثاني ١٩٧٧، في حالة التدجين بكل تنويعاته.
الشاذلي موديل صنع مجال عمل الحزب، الذي تحوّل إلى نادٍ للمحظوظين وأصحاب الفرص في التقرب من السلطة، والمتنافسين على ترخيص الوساطة بين السلطة وطلاب الخدمات في القرى والمدن.
الشاذلي كان يعرف خريطة السيطرة على الأرض عندما كان مسؤول التنظيم في الحزب الحاكم، يعرف تفاصيل «قيادات الشارع»، ومفاتيح الوصول إلى المقاعد البرلمانية، خريطة سرية، جعلته كاهن البرلمان وحامل أختام الوصول إليه. لم يصل أحد البرلمان، طوال سيطرته على موقعه، إلّا مرّ من بوابته عبر صفقة أو اتفاق شفهي.
رحل الشاذلي في مرحلة التخلص من «الحرس القديم»، جرت التضحية بالقائد الميداني مع استمرار الأنياب الأكثر قسوة، صفوت الشريف وزكريا عزمي، مع ظهور متناثر لشخصيات تريد أداء دور طهاة الحزب وعقله الذي لا يسمع له غالباً، لكن يُستخدَم في أوقات الأزمة.
الشاذلي فقد عرشه مع صعود لجنة السياسات باعتبارها (حزباً للابن جمال داخل حزب الأب)، ومحاولة المجموعة الجديدة بقيادة أحمد عز الملياردير، الذي ظهر فجأةً في الصورة باعتباره صديق جمال مبارك. وكلاهما مع شباب اللجنة، أرادوا محاولة بناء الحزب ونقله إلى هيكل يشبه أحزاباً أوروبية (تلقوا دروساً في حزب العمال البريطاني). الحزب كان مدخلهم إلى الحياة السياسية، لذا شُغلوا في تصنيع حزب من كيان هلامي ملحق بمؤسسة الرئيس.
لجنة السياسات استقطبت مجموعات من مثقفين ليبراليين يقترب هواهم من فكرة (الإصلاح من الداخل)، لكن بعضهم قفز من السفينة (أشهرهم الدكتور أسامة الغزالى حرب الذي خرج وأنشأ حزباً جديداً هو الجبهة الديموقراطية). اللجنة ضمت نخبة جاءت لتحكم كما كان «الحزب الطليعي» يؤهل نفسه لوراثة النخبة القديمة في الاتحاد الاشتراكي أيام عبد الناصر.
وهذا تصور قد يكون فيه جزء من الصحة، في ظل ما يحدث منذ سنوات، وبعد فشل مشروع الحزب المستقل لجمال مبارك (أو ما كان يسمّى حزب المستقبل، الذي كان هناك مشروع كبير لإعلانه ليكون قناة صعود جمال مبارك سياسياً، وليكون أيضاً الحزب القوي الثاني الذي يتقاسم الصراع على السلطة مع الحزب الوطني على طريقة الحزبين الديموقراطي والجمهوري في أميركا). المشروع فشل. وكان السيناريو الثاني هو إقامة حزب داخل الحزب. ونخبة تنمو وتتسع لتزيح النخبة. إزاحة اعتمدت في ضرباتها على قوة جمال مبارك. وعلى أنها «النيولوك» الملائم لسلطة عصرية يقبلها الغرب، وأميركا بالتحديد، بعد ربع قرن من حكم نخبة قديمة، لا تتمتع بكفاءة ولا تمتلك مشروعاً غير احتكار السلطة.
والحقيقة كما ظهرت في الأداء السياسي للجنة السياسات، أن فكرة تجديد النخبة مجرد دعاية، ولم تختلف النخبة الشابة عن النخبة العجوز. ولم تكن السن هي سبب الكارثة. فلا فرق بين نخبة جمال مبارك ونخبة مبارك الأب. كما أنه لا فرق كبيراً بين محمد كمال (الذي أصبح الآن أميناً للتثقيف) وكمال الشاذلي. الفرق فقط في عدد السنوات التي عاشها كل منهما. والسن لم تجعل الأمر مختلفاً...



إلغاء حالة الطوارئ!


طالب الأمين العام الجديد للحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في مصر، حسام بدراوي، أمس بإلغاء حالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ ثلاثين عاماً، كما دعا الحكومة إلى الإفراج عن النشطاء الذين اعتُقلوا خلال التظاهرات الأخيرة.
ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية عن بدراوي قوله، إنه دعم هذه المطالب أثناء مشاركته في الحوار الذي أداره نائب الرئيس عمر سليمان (الصورة) مع بعض أطراف المعارضة.
وقال بدراوي «يجب إلغاء حالة الطوارىء فور استتباب الأمن»، كما طالب بضرورة إجراء تعديلات دستورية تضمن الإشراف القضائي الفعال على الانتخابات. وأكد بدراوي أنه سيبذل قصارى جهده مع الجهات المعنية ليُطلَق سراح المعتقلين بأسرع وقت ممكن.
كذلك أكد أهمية حرية وسائل الإعلام والاتصالات وعدم فرض أيّ قيود على نشاطها.

(يو بي آي)