منذ زمن بعيد لم ترتفع صورة حسن البنا في شوارع بيروت. وقد تكون المرة الأولى التي ترتفع فيها. «شيخ البنا ارتاح ارتاح/ زمن مبارك ولّى وراح» هتف أمس أنصار الجماعة الإسلامية أمام السفارة المصرية في بيروت. مكبّرات الصوت التي أعدّوها صدحت بخطاب الشيخ يوسف القرضاوي يدعو فيه الرئيس المصري حسني مبارك إلى الرحيل. أما اللافتات التي رفعوها فصبّت جام غضبها على مبارك «السعودية خسارة فيك/ تل أبيب بتناديك. يحاصر أهل غزة ويقتل أهل بلده. مبارك احزم حقائبك وارحل فعائلتك في لندن بانتظارك. هنيئاً لك منصبك الجديد: زعيم البلطجية». وفي اللافتات أيضاً تساؤل «من التالي... بعدما سقط مبارك وزين العابدين بن علي... وتضامن مع قناة الإعلام الحر: الجزيرة». هل تأخّر إسلاميو لبنان في نجدة إخوانهم المصريين؟ المسؤول في الجماعة الإسلامية بسام حمود يرفض هذا التصنيف ويقول لـ«الأخبار»: لم نعطها بُعداً إسلامياً. هي ثورة شعبية ندعمها بكل أطيافها. في المقابل، يعترف الناشط في الجماعة كمال العبيدي «نعم تأخرنا في المبادرة، لكن أن نتحرك متأخرين خير من ألّا نتحرك».
الخطابات التي ألقيت في الاعتصام، الذي شارك فيه النائب عماد الحوت، تضمنت تنبيهاً للملوك والرؤساء العرب، إذ خاطبهم عريف الاحتفال قائلاً: «فيما تخلّى أسيادكم في الغرب وأميركا عن شين الفاجرين في تونس، يتخلّون في هذه اللحظات عن كبير الفراعنة في أرض الكنانة».
وفيما كان المتظاهرون الخضر ينهون تحركهم، وصلت إلى ساحة الاعتصام مجموعات شبابية يسارية وناصرية لمواصلة التظاهرات المستمرّة منذ تسعة أيام. الجميع حضروا بأعلامهم، لكن العلم الأسود لحركة الناصريين المستقلين ـــــ المرابطون، طغى على الألوان الأخرى، ولم يتوقف تدفق المرابطون الى الاعتصام، إلى أن أطلّ أمين الهيئة القيادية العميد مصطفى حمدان، محاطاً بالمرافقين الذين أصرّوا على رفعه على الأكتاف. حمدان أكد لـ«الأخبار» أن «المرابطون» ترفض أن يستضيف لبنان أي شخصية سياسية أو رجال أعمال مصريين متهمين بالفساد وعلى رأسهم آل مبارك، وسنعمل جاهدين على منع ذلك مع كل القوى الوطنية.
لائحة الخطباء في الاعتصام شملت القيادي في الحزب السوري القومي الاجتماعي القومي توفيق مهنا الذي تحدث باسم الحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي مؤكداً أن القوميين يشاركون في الاعتصام «لدعم الشعب المصري ولإسقاط من تمادى في تآمره على أمتنا السورية».
مسؤول جبهة التحرير الفلسطينية في لبنان محمد ياسين، أكد باسم تحالف القوى الفلسطينية وقوف الشعب الفلسطيني مع انتفاضة الشعب المصري، ورأى أن تحرير مصر من الطاغية هو نصف الطريق من أجل فلسطين حرة عربية، ومن أجل بناء دولة مستقلّة عاصمتها القدس الشريف».
وإذ تحدث النائب فادي الأعور باسم القوى والأحزاب الوطنية، أكد الأسير المحرر سمير القنطار أن ثورة مصر يجب أن تكون حافزاً للشباب اللبناني من أجل أن ينتفضوا على نظام المحاصصة الطائفية الذي يسلبهم حقهم بالمشاركة. أما الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة، فقال باسم القوى اليسارية إن مصر اليوم تحمل رسالة إدانة عميقة للرأسمالية، ورسالة إلى العرب باستعادة مصر إلى قلب حركة التحرر العربية.
بدوره، شدد النائب السابق نجاح واكيم، الذي شارك على رأس وفد من حركة الشعب في حديث لـ«الأخبار» على أن مسيرة الشعب المصري لا يمكن أن يسطو عليها أحد.
في الاعتصام أيضاً حضور لافت للتنظيم الشعبي الناصري، وللحزب الديموقراطي الشعبي، الذي أبدع نشطاؤه في إعداد المجسمات، وبينها دمية تمثل مبارك سرعان ما أحرقوها. كذلك قدّم الفنان قاسم اسطنبولي عملاً مسرحياً عن التعذيب في السجون المصرية.
اللافت أن السفارة عمدت عند بدء الاعتصام إلى تنكيس العلم المصري الضخم المرفوع على سطح البناء، ما دفع الشاب المصري هشام علاء إلى مخاطبة السفير المصري احمد البديوي عبر مكبر الصوت قائلاً: «يا سعادة السفير، هل تنكّسون العلم حداداً على شهداء ساحة التحرير الذين قتلهم بلطجية مبارك؟». دقائق معدودة ويعود العلم إلى الارتفاع، فيعلو الهتاف والتصفيق من عشرات الشباب المصريين الذين حملوا صوراً للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وعندما حاول عدد من المتظاهرين التقدم باتجاه السفارة عبر محاولة إزالة شريط شائك يحيط بها، طالبهم الشباب المصريون المشاركين بألّا يفعلوا ذلك.
حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي حضر أيضاً، ووزع نشطاؤه بياناً دعا «جماهير الوطن العربي إلى تشديد ضرباتهم لا من أجل لقمة الخبز وفرصة العمل فحسب، بل لاستعادة الكرامة القومية». ووزع أعضاء منظمة كفاح الطلبة صوراً لأحد المعتصمين في ميدان التحرير يحمل لافتة تحيّي المقاومة العراقية.
في طرابلس (عبد الكافي الصمد) ثلاثة تحركات للإسلاميين تضامناً مع الشعب المصري، في خطوة هي الأولى في المدينة تأييداً ودعماً لمطالبة المصريين بإسقاط حسني مبارك ونظامه. التحرك الأول تمثل في تنفيذ الجماعة الإسلامية في طرابلس اعتصاماً تضامنياً في باحة الجامع المنصوري الكبير، رفعت فيه لافتات كتب عليها: «اغضب فإن غضب الله لم يخلق شعوباً تستكين». وعلى وقع هتافات التكبير والتهليل، تحدث في الاعتصام عضو المكتب السياسي في الجماعة عبد الله بابتي. التحرك، على رمزيته، جاء ليرمي حجراً في بركة طرابلس الراكدة، ويعوض غيابها التام عن الأحداث في الأيام الماضية، وخصوصاً من جانب القوى الإسلامية فيها. وإلى جانب اعتصام الجماعة الإسلامية، نفّذ «حزب التحرير ـــــ ولاية لبنان» مسيرة كبيرة في طرابلس، داعياً إلى «إطاحة الطغاة» و«إقامة الخلافة الراشدة». انطلقت المسيرة بعد صلاة الجمعة من باحة الجامع المنصوري الكبير، يتقدمها مسؤول المكتب الإعلامي في الحزب أحمد القصص، ورفعت لافتات كتب عليها: «هذا زمانك يا أمة الإسلام»، و«يا جيوش المسلمين هبّوا لنصرة هذا الدين». كذلك نظّمت «جبهة العمل الإسلامي» اعتصاماً في قصر رشيد كرامي البلدي، تحدّث فيه الشيخ عبد الفتاح الأيوبي ورئيس اللقاء التضامني الوطني عضو تجمع العلماء المسلمين الشيخ مصطفى ملص، تلاه رئيس المؤتمر الشعبي العكاري النائب السابق وجيه البعريني. كذلك تحدث الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي الشيخ بلال سعيد شعبان، وسالم يكن كلمة باسم مؤسسة فتحي يكن الفكرية والإنسانية، ورئيس «المنتدى الإسلامي اللبناني للدعوة والحوار» الشيخ محمد خضر ورئيس «جمعية الأخوة الإسلامية» الشيخ صفوان الزعبي. وتحدث الداعية الشيخ عمر بكري. وفي الختام كانت كلمة لعضو قيادة جبهة العمل الإسلامي الشيخ هاشم منقارة ألقاها نيابة عنه الشيخ أحمد الغريب.
وفي البقاع، نظّمت حركة «فتح الانتفاضة» مهرجاناً تضامنياً مع الشعبين المصري والتونسي في قاعة مخيم الجليل في بعلبك، في حضور النائب كامل الرفاعي.
وفي المواقف، أبرق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط إلى الاشتراكية الدولية، متناولاً التطورات الجارية في مصر، وطالب بـ«دعم الثورة السلمية للشعب المصري المطالبة بالحرية والديموقراطية وتغيير النظام».
وندّد بـ«المحاولات التي تجري لإخماد هذه الثورة»، آسفاً لـ«سقوط عدد من الضحايا في صفوف المواطنين العزّل»، مشدّداً على «ضرورة دعم مطالبهم المحقة». أما الحزب التقدمي الاشتراكي، فأصدر بياناً دعا فيه المتظاهرين أمام السفارة المصرية إلى التحلّي بروح المسؤولية والحفاظ على سلمية التحرك وحضارته.