واشنطن| الحكومة الأميركية تبدو منهمكة حالياً في وضع آلية لخروج الرئيس المصري حسني مبارك من السلطة على الفور، ونقلها إلى حكومة انتقالية برئاسة نائبه عمر سليمان، بدعم من الجيش، فيما تعكس الثورة المصرية انكسار الهيمنة الأميركية في المنطقة، كما حصل في غزة والعراق ولبنان، على حدّ تعبير صحيفة «واشنطن بوست».
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين ودبلوماسيين عرب قولهم، إن مسؤولين أميركيين ومصريين يواصلون الحديث عن خطة تقضي بأن يبدأ سليمان ورئيس الأركان المصري اللواء سامي عنان، ووزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي على الفور بعملية إصلاح دستورية. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، تومي فيتور: «ناقشنا مع المصريين مجموعة من السبل المختلفة لدفع تلك العملية إلى الأمام، لكن كل تلك القرارات ينبغي أن يتخذها الشعب المصري».
ويدعو الاقتراح الأميركي إلى تأليف حكومة انتقالية تضم طيفاً واسعاً من المعارضة، بما فيها الإخوان المسلمون، في جهد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في أيلول المقبل. وهذا الاقتراح هو واحد من عدة خيارات تخضع للنقاش مع مسؤولين مصريين رفيعي المستوى، يحيطون بالرئيس مبارك، لكن ليس معه مباشرة في سياق جهد لإقناعه الآن بالتنحي.
غير أن المسؤولين الأميركيين حذروا من أن النتيجة التي تؤدي إليها المناقشات تعتمد على عدة عوامل، ليس أقلها مزاج المحتجين، وعلى ديناميكية الحكومة المصرية. وقال مسؤولون أميركيون إنه لا إشارة بعد إلى أن سليمان أو الجيش على استعداد حتى الآن للتخلي عن مبارك. وأبلغ المسؤولون الأميركيون المصريين، أنهم «إذا كانوا يدعمون رجلاً قوياً ليحل محل مبارك، لكن من دون خطة وجدول زمني للمضي قدماً نحو انتخابات ديموقراطية، فإن الكونغرس قد يرد بتجميد المساعدة العسكرية لمصر».
لكن صحيفة «نيويورك تايمز» نقلت عن مسؤول مصري قوله إن «ما يطلبونه لا يمكن تحقيقه»، مشيراً إلى مادة في الدستور المصري تمنع نائب الرئيس من تولي الرئاسة في حال شغور المنصب. وقال: «هذا هو ردّي الفني. وردّي السياسي هو أنه ينبغي لهم الاهتمام بشؤونهم الخاصة». وتقول الصحيفة إن هذه المناقشات جاءت وسط تساؤلات عما إذا كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه»، قد حذرت البيت الأبيض من احتمالات اندلاع انتفاضة في مصر. من جهة ثانية، أعلن السيناتور الجمهوري جون ماكين لشبكة «سي أن أن»، أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، إذا لم يتنح الرئيس المصري، من بينها قطع المساعدات الأميركية لمصر. وأضاف: «حان الوقت (لمبارك) كي ينظم انتقالاً للسلطة يشمل الجيش والعناصر المؤيدة للديموقراطية في حكومة انتقالية». وأشار إلى أن «أفضل فرصة لأن يكون هناك حكومة داعمة للديموقراطية وليست إسلامية أصولية، هي عملية مفتوحة وشفافة». وأعرب عن خوفه من أن استمرار الفوضى سيدفع عناصر أصولية إلى «اختطاف الحكومة كما حصل في لبنان وغزة».
وأعرب ماكين عن ثقته بأن «الشعب المصري سيجري انتخابات حرة وعادلة وشفافة سنحترم نتائجها».
بدوره، قال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الأميرال مايكل مولن للإعلامي جون ستيوارت ضمن برنامجه «ذا دايلي شو»، إن القيادة العسكرية المصرية طمأنته إلى أن الجيش لن يطلق النار على المواطنين. وأكد أنه على تواصل مع نظيره المصري سامي عنان، وهو أمر يحرص على أن يستمر. وشدد على أن الأحداث في تونس ومصر فاجأت الجميع، لا الولايات المتحدة فقط. وأشار إلى أن العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر تعود إلى 30 عاماً وبين الشعبين المصري والأميركي، وبين الجيشين، مذكراً بأن الجيش الأميركي درّب ضباط الجيش المصري.
وأوضح مولن أنه أكد لعنان، أن الجيش الأميركي على استعداد لدعم الجيش المصري «إذا احتاج إلى ذلك في الأزمة، ولو أنه ليس الحال الآن». وأشار إلى أنه «سمع من قادة عسكريين آخرين في المنطقة قلقاً من الأوضاع في مصر، وكيفية تأثيرها على الأوضاع في بلدانهم».
أما «واشنطن بوست» فقد لاحظت أن الشعارات المناهضة للولايات المتحدة غابت عن التظاهرات في مصر وتونس، ما عدّته إشارة إلى «الشرق الأوسط ما بعد الولايات المتحدة» حيث يتراجع النفوذ الأميركي. ونقلت عن توجان الفيصل، وهي من دعاة الديموقراطية في الأردن، وكانت تقدم النصح للمحتجين الشباب في عمّان: «لا أعتقد أن أميركا تجذب الجيل الشاب. أنا أحرص على عدم تقديم النموذج الأميركي لهم، لأن لديهم موقفاً سلبياً من أميركا وخيبة أمل». وأشارت الصحيفة إلى أنه لا أحد يعرف حتى الآن ما نوع الشرق الأوسط الذي سيولد من شوارع القاهرة: شرق أوسط ديموقراطي جديد أو شرق أوسط أكثر راديكالية، أو ربما شرق أوسط تحكم فيه الأنظمة الديكتاتورية قبضتها.
وشدّدت الصحيفة على أن تراجع النفوذ الأميركي واضح في المنطقة العربية حتى قبل التظاهرات في تونس، ففي العراق ينتظر انسحاب آخر 50 ألف جندي في نهاية هذا العام. وفي لبنان انتزع حزب الله الحكومة من يد المعسكر الذي وصل إلى السلطة في ثورة الأرز عام 2005 المدعومة بقوة من الإدارة الأميركية. في المقابل، تبرز قوى إقليمية مثل تركيا وقطر لتملأ الفراغ الذي بدأ يحدثه تراجع النفوذ الأميركي.