«البلطجية» هم آخر «دشمة» قذرة تحمي نظام حسني مبارك. اقتناع يلمسه المتجوّل في شوارع بيروت وضواحيها. هكذا يتحدّث أهل العاصمة. بينهم وبين القاهرة قصة حب طويلة. كأنّ ما يحدث في مصر هو قضيتهم. كأنّ حسني مبارك خصمهم، قبل أن يكون خصم شعبه. نبض ميدان التحرير هو المتحكّم في نبض ضواحي بيروت. كل خطوة يخطوها المتظاهرون إلى الأمام، تعيد البيروتيّين إلى زمنهم الجميل، زمن السدّ العالي. قبل ثورة الغضب، كان خالد يتجنّب الحديث في السياسة. أمس، جلس الشاب المصري في صالون حلاقة في البسطة، وأخرج ما في قلبه دفعة واحدة. «ربّنا يريحنا منّو بقا هو وأولادو. حسني مبارك ظلمنا كتير». لاقت كلماته صداها لدى جيرانه اللبنانيين. أثنوا على دعائه، قبل أن ينبّه علاء حمادة: «كلّنا مع الثورة والشباب في مصر، لكن إذا لم يأتِ نظام جديد يلغي معاهدة السلام مع إسرائيل، فكأنّهم لم يفعلوا شيئاً. يجب أن ينالوا حريتهم، وأوّل شروطها إلغاء السلام مع إسرائيل». هكذا، تبدو العلاقة مع إسرائيل محور اهتمام شريحة كبيرة جداً من اللبنانيين المنتظرين أن ينتصر ثوّار مصر الجدد. اشترى أحمد مكّاوي صحناً لاقطاً. لا يريد أن تتحكّم فيه إدارة نايل سات «الله يخليلنا هوت بيرد» يقول ضاحكاً. ببساطة، قناة الجزيرة ولا شيء غيرها. صارت العلاقة بين المواطنين والتلفاز حميمة جداً. لم يميّز الحلاق علي منتش بين «ريموت كونترول» تلفازه وماكينة الحلاقة. مرّر الريموت على ذقن زبونه. جرح أحد الجزّارين في الضاحية الجنوبية يده أثناء اهتمامه بخبر عاجل. وقفت مريم سحمراني أمام محل للأدوات الكهربائية، لا لشيء سوى لمتابعة الأخبار المتنوعة على ست شاشات ملأ صاحب المحل بها واجهة متجره.
في منطقة أدونيس، تتابع جانين أيوب التطورات المصرية بشغف، «هو شيء جديد علينا، اقتربنا أكثر من معاناة الشعب المصري، فرحون بقدرته على التغيير».
ثمّة مفارقة جيليّة تتحكم في رؤية اللبنانيين إلى ما يجري في ميادين مصر. فالجيل الذي رافق عصر الرئيس جمال عبد الناصر، يتطلّع إلى ما هو مختلف عن جيل اليوم، من دون أن يعني ذلك غياب هموم مشتركة، أبرزها دعم المقاومة ضد إسرائيل. ينتظر الحاج كامل سليمان بفارغ الصبر أن تنتصر الثورة في مصر. يحنّ إلى رئيس كجمال عبد الناصر «لن يأتي مثله، لقد أعاد القرار والكرامة للعرب. المرشحون الآن لا يشبهونه، بعضهم يشبه أنور السادات غير المأسوف عليه». يقول. أمّا الشاب مروان طالب، فيتابع الأحداث يومياً عبر موقع الفايسبوك. احتجب عن العالم المحيط به وتفرّغ للعالم الافتراضي. منذ بدء الثورة، توقف عن متابعة دراسته «خايف عالامتحانات بس مش قادر اترك الوضع بمصر» يقول متحمّساً، كأنّه قائد ميداني في التظاهرات. يعبّر مروان عن أبناء جيله «ليت ما يحصل في مصر اليوم، يحصل عندنا. يأخذ محمّد شهاب منحىً سياسياً واضحاً في تحليله: «نتمنّى أن ينتصر المصريون. إذا جاء نظام سنّي معاد لإسرائيل مثلما تفعل إيران فما المشكلة؟ نعيد التوازن إلى المنطقة، وكلنا نكون ضد إسرائيل. تجربة تركيا ما زالت حاضرة، دعمناها بقوة حين اعتدى الإسرائيليون على أسطول الحريّة» يقول. تنظر لميا بصل إلى ما بعد الثورة. تخطّط لزيارة مصر «التي سيحكمها شعبها، ورئيس لا يكون عميلاً لإسرائيل. أحبّ بحر مصر، لكنّي لم أطقه حين سافرنا ورأينا إسرائيليين على شواطئه. قهرني هذا المشهد». هذه المرة لن تكون زيارتها للسياحة فقط، بل لأخذ صور في ميدان التحرير، ومسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية، حيث تنطلق التظاهرات.
في المحصّلة، شوارع بيروت ليست على عادتها. ثمّة اهتمام وآمال في مكان آخر. يجب أن ينجح الشعب ويسقط النظام. كثيرون بانتظار هذا الخبر.