صيدا ــ «أحلف بسَماها وبترابها، أحلف بدروبها وأبوابها... ما تغيب الشمس العربية طول منا عايش فوق الدنيا». هي واحدة من أغنيات ثورية واجتماعية مصرية عدة تصدح من مذياع موضوع على عربة خشبية يجول بها بائع «الكاسيت» و«السي دي» محمد العلي (30 عاماً) شوارع صيدا. «فثورة شعب مصر العظيم» على حدّ قوله، حولته فجأة من بائع أغنيات «الهشك بشك إلى بائع أغنيات وطنية ملتزمة»، مشيراً إلى أن الطلب على الأغنيات الثورية المصرية ازداد أخيراً، أي منذ بدء ثورة النيل في 25 من الشهر الماضي. هكذا انعكس الغضب المصري على أهالي صيدا. غضبوا على طريقتهم، فاسترجعوا زمناً ولّى. فما يشهده الشارع المصري من تحركات غاضبة، أعاد الاعتبار إلى أغان اجتماعية وقومية غابت عن «السمع والطلب» لوقت طويل. علي الصوص، صاحب استديو تسجيلات في صيدا، قال إن أغنيات الشيخ إمام قفزت إلى الواجهة. يضيف «منذ أسبوع بعت عشرات النسخ من أغنية مصر يا بهية يا أم طرحة وغلابية، شيد قصورك عالمزارع ، ومر الكلام...». وها هو الصوص يرفع صوت مذياعه عالياً. «نحنا الأرض حطبها ونارها ونحن الجيش اللي يحررها... كانت الصرخة القوية في الميدان في إسكندرية، وقولنا نبني مستقبلها ونرجع شبابها...».
في صيدا، لا يتوقف بعض «مناصري» الانتفاضة الشعبية المصرية عن شراء أغنيات الشيخ إمام أو عبد الحليم. آخرون لجأوا إلى شراء الأعلام المصرية من المكتبات. الحاج أبو محمود، الذي يملك مكتبة صغيرة، باع عشرة أعلام مصرية في يوم واحد. يأتي الزبون الحادي عشر ليسأله إن كان لديه أعلام أخرى. يجيبه: «والله نَفّقنا اليوم والهيئة الطلب كبير»، قبل أن يطلب من خياط في المدينة تفصيل كمية من الأعلام المصرية الجديدة لبيعها.
«المصريون أهمّا». عبارة ذيّلت صورة رفعها صاحب استديو «أبو حبيب» للتصوير في شارع رياض الصلح لمتظاهري يوم «جمعة الغضب». الرجل قال إن «الإقبال والطلب على صور المتظاهرين المصريين، وصور مفجّر الانتفاضة التونسية الشهيد محمد بوعزيزي، والزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والقدس، كبيران»، بعدما كان الناس يشترون صورة هيفاء وهبي أو نانسي عجرم. يفرح الرجل لما سمّاه «زمن التحولات الكبرى وانتفاضات الشعوب»، فيغني: «ثور واتحرر يا إنسان، وأموت أعيش ما يهمنيش، وكفايا شوف علم العروبة باقي...».
مشهد الأعلام المصرية المرفوعة على شرفات منازل، وصوت عبد الحليم والشيخ إمام وقصائد الشاعر أحمد فؤاد، باتا يرسمان الوجهة السياسية الجديدة للشارع. ليس هذا فقط. زمن الزعيم المصري جمال عبد الناصر عاد فجأة. يختصر شاب يساري المشهد بالقول: «هذا أبعد من مجرد إسقاط نظام. لقد عادت إلينا الروح. فمصر أم الدنيا».