في اليوم السابع لانتفاضة المصريين على الرئيس حسني مبارك ونظامه، بدأت الثورة تحصد أولى ثمارها من خلال ممارسة الدولة المصرية سيادتها على شبه جزيرة سيناء، بعدما «سمحت» إسرائيل بنشر وحدات عسكرية مصرية في هذه المنطقة. وقال مسؤول أمني إسرائيلي إن «إسرائيل سمحت للجيش المصري بنشر كتيبتين، أي نحو 800 جندي في منطقة شرم الشيخ، لتمكينها من التصدي للتهديدات التي تواجهها هناك»، علماً بأن اتفاق كامب ديفيد يسمح للقاهرة بنشر قوات من الشرطة فقط في شبه الجزيرة. الاستثناء الوحيد كان عام 2009، بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. حينها سمحت تل أبيب لبضع مئات من أفراد قوات الأمن المصرية بالانتشار على امتداد محور رفح لمواجهة الفلسطينيين.
موافقة إسرائيل على الوجود المصري في سيناء ترافقت مع ترقب وحذر إسرائيليين. هذا ما أعلنه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. قال إنه يتابع عن كثب التطورات الأخيرة في مصر «بيقظة وقلق»، ويخشى أن ينتهي الأمر بقيام نظام إسلامي متطرف في القاهرة كما هي الحال في إيران. وأعرب، في مؤتمر صحافي مشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تزور إسرائيل حالياً، عن أمله أن «لا تتأثر معاهدة السلام التي أبرمتها إسرائيل مع مصر قبل ثلاثة عقود»، مشيراً إلى أن «هذه الفترة هائجة جداً، وإسرائيل هي جزيرة الاستقرار في منطقة تشهد تظاهرات وأنظمة متغيرة».
وكان نتنياهو قد أعلن خلال جلسة الحكومة أول من أمس، أن المجلس الوزاري المصغر سيعقد جلسة اليوم لبحث الوضع في مصر. وقد بحث مع الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التطورات في مصر، لافتاً إلى أن مسؤولي مكتبه يتابعون الاتصالات مع البيت الأبيض والخارجية الأميركية ومحافل رفيعة المستوى في النظام المصري.
التضامن الإسرائيلي هذا مع مصر دفع تل أبيب إلى مطالبة الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، الامتناع عن الانتقاد العلني لنظام مبارك، باعتبار أن «المصلحة الإسرائيلية والغربية تكمن في استقراره». ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية الإسرائيلية قولهم إن «الوزارة أصدرت تعليمات لنحو عشرة سفراء في دول أساسية، هي الولايات المتحدة، روسيا، الصين، كندا ودول أوروبية عدة، تطلب منهم التوجه إلى المسؤولين في وزارات الخارجية ومكاتب الرؤساء، ونقل رسالة إليهم تشرح أهمية الاستقرار في مصر».
وفيما لفتت «هآرتس» إلى أنهم «في القدس يسعون إلى الحفاظ على موقف متواضع في كل ما يتعلق بالأحداث في القاهرة»، أمر نتنياهو وزراءه بالامتناع عن الحديث في ما يجري في مصر علناً. وذكرت الصحيفة أن حالة «من عدم الرضى الشديد تسود في إسرائيل من الخط الانتقادي العلني الذي تتخذه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي» تجاه النظام المصري. ورأى مسؤولون إسرائيليون أن «الأميركيين والأوروبيين ينجرون خلف الرأي العام ولا يفكرون بمصالحهم الحقيقية». وحذر هؤلاء من أنهم «في الأردن والسعودية يراقبون رد الفعل في الغرب، وكيف أن الجميع تخلى عن مبارك»، مشيرين إلى أنه «سيكون لذلك آثار شديدة جداً».
كذلك حذرت وزارة الخارجية الإسرائيليين من السفر إلى مصر، ودعت الموجودين هناك إلى «إعادة النظر في قرار بقائهم».
الدعمُ الإسرائيلي هذا يرافقه تنسيق بين الطرفين. وذكرت صحيفة «معاريف» أن مصادر رفيعة المستوى في مكتب نتنياهو تحدثت في الآونة الأخيرة مع نائب الرئيس المصري، عمر سليمان، عن التنسيق الأمني الجاري، بما فيه تهريب وسائل القتال عبر الأنفاق إلى قطاع غزة. ووصفت الحديث بـ«الطارئ»، الهدف منه لفت انتباه المصريين إلى المعمعة وفقدان السيطرة على أعمال التهريب عبر الأنفاق.
تواصلٌ لم يمنع القلق الإسرائيلي من سليمان، وخصوصاً بعد تحذير محافل في الخارجية الإسرائيلية من أنه كفيل «بالتضحية» بعلاقاته مع إسرائيل كي يضمن شرعيته وشرعية زملائه في إدارة الدولة بنظر الجماهير. ووصفت «معاريف» سليمان بأنه «أحد أصدقاء إسرائيل الكبار في النظام المصري، فهو كان مسؤولاً عن الحوار الأمني الحميم بين الدولتين إلى جانب قضايا عديدة أخرى»، مضيفة أنه «كان من المفترض أن يزور إسرائيل هذا الأسبوع، إلا أن الأحداث في مصر حالت دون ذلك».
من جهة أخرى، دعا أعضاء لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست إلى إجراء تحقيق في «الإخفاق» الذي واجهته أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بعدما فوجئت بالانتفاضة الشعبية. ويأتي ذلك بعد أسبوع فقط من تأكيد رئيس الاستخبارات العسكرية «أمان»، أفيف كوخافي، أن «لا خطر يتهدد استقرار النظام في مصر، وأن الإخوان المسلمين لا يمثّلون قوة منظمة أو متماسكة بقدر كاف للسيطرة على الحكم».
ودعا عضو اللجنة إيتان كابل، عن حزب «العمل»، رئيسها شاوول موفاز إلى إجراء نقاش في اللجنة الفرعية لشؤون الاستخبارات، بشأن التقديرات الخاطئة للاستخبارات العسكرية. وقارن عضو آخر في اللجنة ميخائيل بن آري، عن الاتحاد القومي اليميني المتطرف، بين فشل الاستخبارات الآن وفشلها في حرب يوم الغفران عام 1973. ولفت إلى أنه سأل أحد ضباط «أمان» قبل أسبوع عن احتمال انضمام مصر إلى دائرة المواجهة مع إسرائيل التي ستجد نفسها في هذه الحال أمام ثلاث جبهات. لكن الضابط «تحدث باستخفاف»، وأكد أن «نظام مبارك مستقر وقوي، وأن حكم مصر ليس كحكم تونس».
في المقابل، حاول شاوول موفاز الدفاع عن رئيس الاستخبارات العسكرية، بالقول إن «هذه القضية دُرست لسنوات طويلة في أبعاد عديدة، لكن البعد المدني من الصعب جداً توقعه». وأضاف: «لا يزال غير واضح ما إذا كانت المسألة تتعلق بانقلاب؛ لأن المسار في مصر لم ينته، وليس هناك زعيم يقود العملية، وليس واضحاً إلى أين تتجه الأمور».
وتابع موفاز أنه «كان جيداً لو عرفنا مسبقاً (بما يجري)، لكن ثمة صعوبات أمام توقع مسارات مدنية لشباب يتواصلون عبر الفايسبوك والإنترنت».
بموازاة ذلك، رأى موفاز أن على إسرائيل «إجراء تقويم استراتيجي جديد في ظل ما يحدث في مصر، ومتابعة الأوضاع فيها وفي أماكن أخرى في المنطقة عن كثب». وتوقع أن «يكون عام 2011 نقطة تحول في عدة أماكن أخرى في المنطقة»، محذراً من أن «المحور الراديكالي الذي يضم سوريا وإيران وحزب الله وحماس سيحاول التأثير على مجريات الأمور في مصر».
وفي محاولة لاحتواء تداعيات الانتفاضة الشعبية في مصر، قررت وزارة الدفاع الإسرائيلية تسريع بناء الجدار على الحدود المصرية، بعدما كانت قد بدأت بالأعمال الهندسية قبل عدة أشهر لتوفير البنية التحتية اللازمة له.



مبارك حصّن السلام!

كسر الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز حاجز الصمت، قائلاً إن «إسرائيل تفضل حكماً تغيب فيه الديموقراطية على حكم ديني متطرف». وأوضح قائلاً: «كنا نكنّ احتراماً كبيراً لمبارك»، لافتاً إلى أنه «ليس كل ما قام به كان صحيحاً، إلا أنه فعل أمراً واحداً، نحن جميعاً مدينون له بالشكر عليه، هو أنه حافظ على السلام في الشرق الأوسط».
بدوره، قال رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست شاوول موفاز من حزب «كديما» إنه «يحظر على إسرائيل التدخل في الشؤون الداخلية المصرية»، وإن «على إسرائيل الحفاظ بكل قوتها على معاهدة السلام». وأضاف: «على إسرائيل أن تكون متيقظة حيال أداء الإدارة الأميركية في المسألة المصرية».