لن ينجلي ليل الجمعة الذي حلّ ثقيلاً على فرنسا، قريباً، بل يبدو أنه سيخيّم طويلاً على أوروبا بأسرها. حالة هلع غير مسبوقة تعيشها القارة العجوز على خلفية الهجمات التي ضربت العاصمة الفرنسية باريس وأودت بحياة 130 شخصاً، بدأت تفضي إلى «هستيريا» أمنية وعنصرية مزدوجة، سترخي بظلالها على السياسات الداخلية والخارجية، من دون إغفال الآثار الثقافية والاجتماعية في القارة التي تضمّ ملايين المهاجرين واللاجئين.
إحراق مساجد في فرنسا وهولندا وإسبانيا، خروج تظاهرات للمطالبة بـ«طرد المسلمين»، نشر قوات خاصة في عدد من الدول، كلها بوادر لشكل المستقبل في القارة التي يبدو أن حكامها وجدوا في «الإنكار» الخيار الأمثل لمواجهة جرائم «الارهاب». لقد أصبح واضحاً أن «مسخ فرانكشتاين» الذي يجوب شوارع أوروبا اليوم، لم يُخلق من عدم. مصادر دعمه، مالياً وتسليحياً وأيديولوجياً، فضلاً عن غطائه السياسي، لم تعد خافيةً على أحد، وذلك في موازاة هروب زعماء أوروبا من مواجهة الواقع الداخلي، الاجتماعي والثقافي، الذي جعل من الجاليات قنبلةً موقوتة.

تعزيز القبضة الأمنية... والعنصرية

وخيّم الهلع على أوروبا، وفرنسا خصوصاً التي ما زالت تحصي ضحايا الهجمات «الأكثر دمويةً في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية». فرّ عدد من الموجودين في ساحة الجمهورية على إثر أنباء عن هجوم، تبيّن أنها غير صحيحة. وفي الوقت نفسه، وقع تبادل لإطلاق النار في شارع سان مارتان في باريس، حيث قام أصحاب المحال التجارية والمطاعم بإغلاقها فور سماع أصوات إطلاق النار الذي أدى إلى إصابة امرأة. وقد وصل رجال الشرطة إلى موقع الحادث حيث أخلوا الشارع من الناس خشية استمرار إطلاق النار.
في موازاة ذلك، بدأت دول أوروبا بإجراءات استباقية، تشي بممارسات بوليسية قادمة.

بغداد أبلغت باريس وواشنطن مسبقاً باحتمال تعرضهما لهجمات

في بريطانيا، نُشرت قوات خاصة في الاماكن العامة لدعم قوات الشرطة البريطانية «لتعزيز الأمن». وأعلنت إيطاليا تشديد مراقبة الحدود مع فرنسا ونشر 700 عسكري في أنحاء البلاد لحماية المواقع «الحساسة»، ورفع حالة التأهب إلى المستوى الثاني الذي يسمح بتدخل القوات الخاصة للجيش».
وبدأت مطارات أوروبية بتشديد الإجراءات الأمنية، حيث اعتقلت الشرطة البريطانية فرنسياً بحوزته سلاح في مطار «غاتويك».
وفي هولندا، تم إخلاء طائرة كانت متجهة إلى فرنسا السبت بهدف تفتيشها قبل إقلاعها من مطار أمستردام، وذلك بعد توجيه «تهديدات» إلى هذه الرحلة عبر موقع «تويتر».
أما في بروكسل، فقد ألقت السلطات الأمنية القبض على عدد كبير من الأشخاص بعد هجمات باريس، ويعتقد أن الاعتقالات جاءت بعد أنباء عن استقلال المهاجمين سيارة تحمل لوحة بلجيكية. وأعلن وزير العدل البلجيكي كون غينز أنه جرى اعتقال عدد كبير من الأشخاص السبت، في إطار عملية واسعة للشرطة في ضاحية مولنبيك في منطقة بروكسل، على صلة باعتداءات باريس.
من جهتها، أحبطت السلطات التركية هجوماً «كبيراً» في إسطنبول كان مخططاً تنفيذه يوم الجمعة الماضي. وعلى الاثر، اعتقلت الشرطة التركية في اسطنبول خمسة أشخاص، بينهم مواطن بريطاني، قالت أنقرة إنه «شريك داخل تنظيم داعش للجهادي جون الذي قتله التحالف على الارجح في ضربة جوية في سوريا يوم الخميس الماضي».
وعقب الهجمات الأخيرة، علت أصوات أوروبية مطالبة بوقف تدفق اللاجئين والمهاجرين من الشرق الأوسط وأفريقيا. بولندا على سبيل المثال، أعلنت أنها لا تستطيع قبول مهاجرين بموجب حصص الاتحاد الاوروبي «من دون ضمانات أمنية».
وفي مشاهد غير طارئة على أوروبا، عادت الأصوات الكارهة للمسلمين والعرب إلى الواجهة من جديد في فرنسا ودول أخرى، على خلفيات ارتباط الهجمات الأخيرة بتنظيم «داعش». وطالب فرنسيون في مدينة ليل الفرنسية بـ«طرد المسلمين من فرنسا»، فيما شهدت إسبانيا وهولندا إحراق مساجد. كذلك، رفع عشرات المتظاهرين في ليل لافتات كتب عليها «فليطرد المسلمون» في مسيرة غاضبة.

العين على اللاجئين السوريين

وحددت السلطات القضائية الفرنسية، يوم أمس، هوية انتحاريين اثنين، تبيّن أنهما كانا يقيمان في بروكسل. وقال المدعي العام فرانسوا مولان إن أحد الانتحاريين (20 عاماً) فجّر نفسه قرب «ستاد دو فرانس»، فيما نفذ الثاني (31 عاماً) العملية الانتحارية في منطقة «بولفار فولتير»، شرقي باريس.
وكانت الشرطة الفرنسية قد أعلنت الكشف عن هوية الانتحاري الأول، ويدعى عمر اسماعيل مصطفائي (29 عاماً)، وذكرت أنه ينتمي إلى إحدى المجموعات الثلاث المنفذة لهجمات باريس. ووضعت السلطات الفرنسية سبعة أشخاص من أفراد أسرة مصطفائي قيد التوقيف الاحتياطي، كذلك تم الاستماع الى أقوال والده وزوجته وشقيقه.
وفي تصريح لافت، أعلنت الحكومة العراقية، يوم أمس، أنها أبلغت فرنسا والولايات المتحدة وإيران معلومات استخبارية تفيد باحتمال تعرضها لهجمات من قبل تنظيم «داعش».
وكانت السلطات الفرنسية قد عثرت قرب جثة أحد المسلحين على جواز سفر سوري، قالت السلطات الصربية إن حامله كان مسجّلاً كلاجئ في دول أوروبية عدة، الشهر الماضي. وقال مسؤولون يونانيون، أمس، إن الرجل الذي لم تذكر السلطات الصربية سوى الأحرف الأولى من اسمه، «دخل أوروبا عبر جزيرة ليروس اليونانية حيث جرى تسجيله في الثالث من تشرين الأول، وكان بين سبعين لاجئاً وصلوا على متن قارب صغير من تركيا». وقالت السلطات الصربية إن بيانات الرجل نفسه سجّلت في معبر حدودي من مقدونيا إلى صربيا بعد ذلك بأيام قليلة، وكذلك الامر بالنسبة إلى كرواتيا التي أكدت أن الرجل سجّل في مخيم أوباتوفاك للاجئين هناك. وذكرت مصادر في الحكومة اليونانية أن مهاجماً ثانياً مشتبهاً فيه من المرجّح أن يكون قد عبَر اليونان.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)