على خطى «عربسات»، أطفأت الشركة المصرية للأقمار الاصطناعية «نايل سات» أول من أمس بث محطات nbn، «الجديد»، «المنار»، «تلفزيون لبنان» في منطقة «جورة البلوط» (المتن)، بدعوى إنتهاء عقدها الموقع مع الدولة اللبنانية منذ عام 2015. صحيح أنّ العقد مع القمر المصري لم يجّدد، بسبب تقاعس مجلس الوزراء عن بتّه، إلا أنّ هناك ما وراء الأكمة ما وراءها.
في إتصال مع «الأخبار»، أطلعنا وزير الإعلام رمزي جريج على أنّه منذ مطلع السنة الحالية، نبّهت وزارته وزارة الإتصالات المعنية بهذا الملف الى ضرورة تجديد العقد مع «نايل سات». وكانت الأخيرة قد أرسلت هذا الطلب الى مجلس الوزراء في شباط (فبراير) الماضي، لكن المجلس لم يجتمع حينها، وبقي الأمر معلقاً لغاية اتخاذ الشركة المصرية قراراً بإيقاف بث المحطات اللبنانية المذكورة. علماً أن المدير العام لوزارة الإعلام حسّان فلحة، كان قد إجتمع أخيراً مع المدير العام لشركة «نايل سات»، وأكدّ له أن الحكومة اللبنانية في صدد تجديد العقد معها. هكذا، بدون سابق إنذار، قطع البث ليلاً عن القنوات المذكورة، كما فعل قمر «عربسات» (تملك السعودية الحصة الأكبر من أسهمه) مع قناتي «الميادين» و«المنار» قبل أن يغادر نهائياً الى الأردن (الأخبار 5/12/2015).
قرار قطع البث أثار لغطاً كبيراً في الأوساط السياسية والإعلامية. صحيح أنّ ظاهره تقني إجرائي، إلا أنّ باطنه سياسي يظهر انصياع مصر للمشيئة السعودية، فهو يأتي بعد سلسلة ضغوط تمارسها المملكة على لبنان وتحديداً على «حزب الله»، على الأرض وفي الفضاء. مصدر مطلع على الملف يكشف لنا أنّ "المنار" كانت على علم بقرار قطع بثها بدعوى «إثارة النعرات الطائفية» منذ ما يقارب الشهر، عازياً ذلك إلى الضغوط التي مارستها السعودية على الاستخبارات المصرية. وتجنباً لأي تصعيد، عملت القناة منذ شهر على تجنب ذكر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في البرامج الحوارية ونشرات الأخبار. مع ذلك قطع البث، وتزامن ذاك مع عدم تجديد عقد «نايل سات» مع الدولة اللبنانية، ومع زيارة الملك السعودي إلى القاهرة اليوم الخميس، لكن يرجّح عودة البث عبر قنوات إتصال سياسية رفيعة المستوى قد تحصل بين الجانبين المصري واللبناني، وتحديداً «حزب الله»، وليست إيران مستبعدة عن طاولة التفاوض والتسويات.
رئيس مجلس إدارة قناة «المنار» إبراهيم فرحات أكدّ لـ «الأخبار» أن قرار قطع بث «المنار» هو «سياسي بحت يخرج عن أي معايير مهنية وإعلامية تستوجب القطع». وأضاف أن إدارة القمر الصناعي المصري رضخت للضغوط السعودية المتواصلة منذ فترة، التي تحضّها على إنزال القناة اللبنانية بذريعة «إثارة النعرات الطائفية»، فيما تكفي نظرة عامة على مضمون ما تبثه القنوات الفضائية المختلفة من سموم حتى يتبين أن «المنار» ملتزمة «الضوابط والمواثيق الإعلامية العربية»، وتبث «خطاباً، إسلامياً وحدوياً» كما يوضح فرحات. وتمنى أن تعود إدارة «نايل سات» عن قرارها «المجحف» بحق «المنار». وحالياً، تتكىء قناة «المقاومة» على ترددات القمر الروسي الذي يدور في الفلك نفسه للقمر المصري. ومع ذلك، تبذل إدارة القناة جهوداً حثيثة لتأمين ترددات على مدار «نايل سات» نفسه، كي تؤمّن حجم التغطية نفسها التي حظيت بها على القمر المصري.
ورغم إنزال «نايل سات» القنوات اللبنانية عن المركز الرئيسي في «جورة البلوط»، الا أنّها عادت أمس على القمر نفسه (ما عدا «المنار»)، بعدما أمنّت إشارة البث على نحو مباشر على هذا القمر، من خلال نقل معدّاتها التقنية الى أمكنة قريبة من مبانيها وفق ما يكشف لنا المدير العام لقناة nbn قاسم سويد. ويضيف أنّه ليل أمس، تولى الفريق التقني في nbn عملية النقل الى منطقة الجناح لتأمين الصورة مؤقتا. وأثار سويد موضوع البث غير القانوني الذي تؤمنّه المحطات الخارجة من «جورة البلوط» كـ lbci و mtv عبر إشارة مباشرة الى القمر المصري من دون المرور بالمركز الرئيسي، وهذا الأمر حاصل منذ عام ونصف عام تقريباً. وتنتظر nbn ومعها باقي القنوات جلسة مجلس الوزراء اليوم الخميس، لتقرير تجديد العقد مع الشركة المصرية، لكونها «أزمة تقنية» كما يقول سويد. وما يؤكد أنّ الضجة التي أثيرت حول تجديد العقد كانت بهدف التعمية على المستهدف الأول في القضية أي «المنار»، اعلان السفير المصري محمد بدرالدين زايد أمس أنّ «القنوات اللبنانية التي كانت تبث من محطة جورة البلوط ستواصل بثها العادي وبالترددات الحالية عينها من المركز الرئيسي لشركة «نايل سات» في القاهرة، الى حين إنهاء الإجراءات والمراسيم المتعلقة بتجديد ترخيص محطة جورة البلوط». وشدد على «حرص السفارة وكل الجهات المصرية المعنية على استمرار التعاون الإعلامي مع لبنان». الا أنّ وزير الإعلام رمزي جريج كشف لنا عن خشيته من أن تسير «نايل سات» على خطى «عربسات» بالهجرة خارج الأراضي اللبنانية والذهاب الى الأردن.