حين التقى الرئيس سعد الحريري، في السعودية، مجموعة من الشخصيات السياسية عشية الجلسة التشريعية في تشرين الثاني عام 2015، تعهّد أمامهم بأنه في مقابل تسهيل القوى المسيحية، وتحديداً التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، عقد جلسة تشريع الضرورة، لا جلسة تشريعية مقبلة ما لم يكن قانون الانتخاب على جدول أعمالها. وفق هذا التعهد سرى مفعول الاتفاق وعقدت الجلسة التشريعية وأُقرّ قانون استعادة الجنسية ومجموعة قوانين مالية.
بعد ستة أشهر على اجتماع الرياض، عاد قانون الانتخاب ليشكل الثغرة التي تريد بعض القوى السياسية التذرع بها لعقد جلسة تشريع من دون ضرورة، إذ لم يكن سياسيّو التيار والقوات مدركين أن الحريري قد "يسحب توقيعه وتعهده" بعدم حضور جلسة نيابية تشريعية لا يكون قانون الانتخاب على جدول أعمالها، في وقت بدأت فيه قيادات رئيسية في المستقبل تتحدث بجدية عن ضرورة المشاركة في هذه الجلسة، حتى ولو لم يدرج قانون الانتخاب على جدولها.
وبعيداً عن عمل اللجنة النيابية التي كلفت درس قانون الانتخاب ونتيجة عملها، فان مسؤولين في المستقبل يقدمون تبريرات لمغزى حضور الجلسات التشريعية، ما يثير أسئلة لدى الاطراف المسيحيين المعارضين لتشريع في غياب رئيس الجمهورية، إلا لضرورات قصوى، خصوصاً أن تعهدات الحريري لم تتم في الخفاء بل علناً، وأن إقرار القوانين المالية مع مشروع استعادة الجنسية وفق تعهدات التزم بها الاطراف المسيحيون، يفترض أن يقابل بالتزام تعهدات مماثلة، علماً بأن أحداً لم يفته توجيه الحريري معايدة الى الامهات اللواتي ينتظرن حق الجنسية لأولادهن، وهو المشروع الذي قوبل برفض في مجلس النواب.
تأكيدات حول رغبة الحريري في إرجاء "البلديات" وإلا فتقليل أكلافها المالية والسياسية

ورغم أن موعد الجلسة التشريعية المتوقعة في أيار لم يحدد نهائياً، في انتظار عقد طاولة الحوار في العشرين من نيسان الجاري، وأن جدول أعمالها لم يوضع بعد، فإن أجواء المستقبل تتحدث في صورة ثابتة عن نية لحضور الجلسة، علماً بأن ما يميّزها هذه المرة أن الحريري موجود في بيروت وقد يشارك فيها، في غياب المكونات المسيحية الاساسية، بفعل انضمام الكتائب الى مقاطعتها.
لا يمكن لهذه الخطوة إلا أن تضيف واحداً من عناصر اللاثقة التي باتت تحكم علاقة المستقبل مع المكونات المسيحية، حلفاء كانوا أو خصوماً. وهو بذلك يصبح بالنسبة الى هؤلاء، على غرار الرئيس نبيه بري الذي يصرّ على تفسير خاص بالميثاقية، وعلى عقد الجلسة، كما كانت حاله مع جلسة تشرين الثاني الفائت. لكن حسابات الحريري يفترض أن تكون مختلفة، خصوصاً في هذه المرحلة التي لا يحتاج فيها، وهو الساعي الى ترطيب الاجواء مع القوات، الى خطوة ناقصة إضافية، إذ من شأنها أن تضاعف من عناصر التوتر بينه وبين القوات معطوفاً على مشكلته الدائمة مع التيار الوطني الحر، مهما كانت التبريرات التي تعطيها حلقة المستشارين عن ضرورة التوافق مع بري والحضور الى ساحة النجمة، عملاً بالعلاقة الدائمة بينهما وبالحوار الثنائي المستمر مع حزب الله برعاية رئيس المجلس النيابي.
ومع تمسّك القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر بقانون الانتخاب بنداً أول على جدول الاعمال، فإن الجلسة التشريعية ستضيف في هذه المرحلة عنصراً جديداً الى المواجهة التي يقبل عليها الطرفان مع اقتراب شهر أيار: الجلسة التشريعية والانتخابات البلدية. ورغم نفي الحريري سعيه الى إرجاء الانتخابات، فإن معلومات معارضيه تؤكد رغبته في تأجيلها، علماً بأنه يسعى، في حال عدم التمكن من إلغائها، الى تخفيف الاكلاف المالية والأثقال السياسية التي تترتب عليه من جرائها. من هنا يكمن تحدّي التيار والقوات اللذين يتأهبان لأي محاولة جدية ترمي الى تأجيل الانتخابات، فيما هما يعملان بتوافق حتى الآن يبدو صامداً في أكثر المناطق حدة، في محاولة لتخفيف التشنجات العائلية لمصلحة التوافق السياسي، إذ إن التشريع والانتخابات البلدية يمثلان، بالنسبة الى الطرفين، استحقاقاً أساسياً على طريق تثبيت دورهما في تمثيل الشارع المسيحي بلدياً في الوقت الراهن، والعمل على استعادة حقوقه، وإقرار قانون الانتخاب حتى يصار الى إجراء انتخابات نيابية ينتقلان بموجبها الى تأكيد تمثيلهما النيابي الواسع للشارع المسيحي.
إلا أن التيار والقوات يدركان أن ألغاماً كثيرة ستوضع على طريق تثبيت تفاهمهما، وحضورهما ككتلتين مسيحيتين أساسيتين يفترض بالاطراف السياسيين الآخرين التعامل معهما على هذا الاساس، لا تجاهل دورهما والقفز فوقه، كما حصل مع ترشيح الحريري لفرنجية، وكما يحصل في جلسة التشريع، أو من خلال المحاولات المستمرة لإلغاء الانتخابات البلدية.