بغداد | خاض رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، على مدى شهرين تقريباً، اختباراً كان موازياً في قسوته وشدته لاختبار «داعش» والحرب ضده، ذلك أنه هدّد بقاءه في منصبه كما هدّد مستقبل حزبه السياسي، الحاكم منذ 13 عاماً، ما جعله يستغني عنه في اللحظات الأخيرة. لكن العبادي تمكن، خلال ساعات، من إزالة الخطر وإفشال كافة التوقعات والتحليلات، وقبل ذلك كسب تأييد زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، فما الذي حصل؟
حتى مساء أمس، كانت التكهنات والأنباء المتضاربة والاجتماعات هي سيّدة الموقف، فيما استمرت المواقف الغامضة والتصعيدية التي كان أبرزها إعلان تبنّي ائتلاف «دولة القانون»، الذي ينتمي إليه العبادي، عملية التغيير الشامل، أي شمول العبادي نفسه بهذا التصعيد. صباحاً، اتفقت التصريحات على أن العبادي لن يقدم تشكيلته، وأن الأمور متجهة إلى التصعيد، وأن أتباع الصدر قد يقتحمون «المنطقة الخضراء» في أيّ لحظة. ولكن بحلول الظهر فوجئ الجميع بالشريط العاجل الذي بثّه التلفزيون العراقي، معلناً وصول العبادي إلى مبنى البرلمان وتوجهه إلى مكتب رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، حيث عقد اجتماعاً مغلقاً.
الاجتماع الذي دام قرابة ساعة لم يفصح أحد عن مضمونه وعمّا إذا كان الاجتماع بمثابة اتفاق اللحظات الأخيرة الذي أنقذ العبادي من المتاهة. لكن ما أجمعت عليه المصادر البرلمانية أن العبادي سلّم الجبوري تشكيلته الوزارية الجديدة ــ ضمن ملف مغلق ــ مكوّنة من 16 وزيراً، بعد إلغاء ودمج ست وزارات.
بعد الاجتماع مباشرة، توجه العبادي إلى القاعدة الدستورية في البرلمان حيث ألقى كلمة أمام النواب أشاد فيها بـ«الدور الكبير للصدر»، من خلال «الانضباط الكبير للتظاهرات السلمية المطالبة بالإصلاح». وأكد أيضاً أن «المرحلة المقبلة ستشهد تسمية رؤساء الهيئات المستقلة، في غضون أسبوعين أو شهر، والابتعاد عن التعيين بالوكالة وهيكلة بعض مناصب المدراء العامين».
العبادي بيّن أن أعضاء تشكيلته الوزارية «سيقومون بإعداد ملفات عن خطط عملهم بشأن البرنامج الحكومي، وسترفع الحكومة تقريراً فصلياً عن مستوى الإنجاز المتحقق والإخفاق الشخصي، وسيتم توقيع الوزراء الجدد على هذه الوثيقة»، مشيراً إلى أن «مجلس النواب له حرية الاختيار في قبول أو رفض أو تعديل التشكيلة المقدمة، مع أهمية التفاوض بين الحكومة والمجلس من أجل التوصل إلى اتفاق».
استُبعد وزير الخارجية إبراهيم الجعفري من التشكيلة الجديدة

وشمل التغيير الوزاري كل الكابينة الحكومية، حتى أولئك الذين تم استبعاد أسمائهم من التغيير، ومن أبرزهم رئيس «التحالف الوطني» وزير الخارجية إبراهيم الجعفري. وعلمت «الأخبار» من مصدر مطّلع أنه تم استبعاد اسمي وزيري الدفاع خالد العبيدي (تحالف القوى) ووزير الداخلية محمد الغبان (تحالف وطني ــ بدر) من التغيير، بسبب ظروف الحرب والعمليات العسكرية ضد «داعش»، إلا أن المصدر رجّح أن يشملهما التغيير في المرحلة المقبلة.
ومن أبرز الشخصيات التكنوقراط في حكومة العبادي الجديدة عبد الرزاق العيسى، رئيس جامعة الكوفة والمستشار الثقافي في السفارة العراقية في الأردن، وعقيل يوسف وزير الشباب والثقافة (مرشح الصدر)، الذي يشغل منصب عميد كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد، وأحد أبرز الوجوه الثقافية والفنية المعروفة.
كذلك ضمّت «الكابينة» الجديدة مرشحاً آخر من لجنة الصدر لوزارة الصحة، وهو علاء مبارك، عميد كلية الطب في جامعة النهرين، فيما تمّ إبعاد الأكراد عن وزارة المالية التي جرى دمجها مع التخطيط ليتولاها علي علاوي، الشخصية السياسية التي برزت بعد عام 2003. وتم اختيار الشريف علي بن الحسين، أحد أحفاد العائلة المالكة، لمنصب وزارة الخارجية. وقد تحدثت مصادر لـ«الأخبار» أن ذلك جاء محاباة لدول الخليج والسعودية، لما يتمتّع به من ثقل عربي وإسلامي.
وبلغ عدد الوزارات التي دُمجت خمس وزارات، إذ جرى دمج التخطيط مع المالية، والشباب مع الثقافة، والموارد المائية مع الزراعة، والنقل مع الاتصالات، ووزارة الهجرة مع العمل التي شغلتها المرأة الوحيدة في التشكيلة الحكومية وهي وفاء المهداوي. ولم يسبق لوزير في الكابينة الجديدة أن تولى منصب وزير أو مناصب رفيعة.
وحدّد رئيس البرلمان سليم الجبوري مهلة عشرة أيام لمناقشة الوزارات، وشهراً لحسم الهيئات والمناصب الأمنية و«الوكالة والتوازن».
وفور إعلان التشكيلة، دعا زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر أنصاره إلى إنهاء اعتصاماتهم التي استمرت قرابة ثلاثة أسابيع أمام بوابات «المنطقة الخضراء»، فيما طالبهم باستمرار التظاهر أسبوعياً. الصدر، الذي كان يتحدث من خيمة اعتصامه في «الخضراء» خالعاً العمامة ومرتدياً عصابة سوداء، هدّد بأنه سيسحب الثقة من العبادي، ويجمّد عمل الذراع السياسية لـ«التيار الصدري» (كتلة الأحرار)، في حال عدم التصويت على الحكومة الجديدة. ولكنه أثنى في الوقت ذاته على العبادي، قائلاً إنه «قام بخطوة شجاعة مرة أخرى بعد وقفته الأولى» بمنع المالكي من تولّي ولاية ثالثة، والوقفة الثانية بإعلان الكابينة الوزارية الشاملة الكاملة، أمس، مجدداً تهديده بأنه سيتحوّل من «الشلع إلى الشلع قلع»، أي اقتلاعهم جميعاً من جذورهم.
ورأى رئيس مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية إحسان الشمري أن التشكيلة كانت «تكنوقراطية بامتياز»، وفاقت جميع التوقعات، مشيراً إلى أنه تحقق للعبادي ما أراد بفعل الضغط الشعبي وتأييد الصدر له. وقال الشمري لـ«الأخبار» إن «العبادي استطاع بذكاء تخطّي الأزمة، وإقناع الصدر بفضّ الاعتصامات التي كانت تشكل تهديداً وتحدياً كبيراً».