هل هو فصل جديد من فصول تمييع فضيحة الإنترنت غير الشرعي؟ يوم أمس كان الموعد مع الكشف على الكابل الذي قال رئيس هيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف إنه مخصص لنقل الانترنت، بصورة غير شرعية، بين نهر الكلب ونهر إبراهيم. قالها يوسف في جلسة لجنة الاتصالات النيابية يوم 21 آذار الماضي. لكن نتيجة الكشف التي أعلنتها الوكالة الوطنية للإعلام (على لسان مندوبتها في قصر العدل التي لا تنشر خبراً من دون "إذن" السلطات القضائية المعنية) أظهرت أنه كابل لنقل بث القنوات الفضائية. "كابل دِش"! لكنّ بياناً أصدرته أوجيرو ذكر أن يوسف، شخصياً، "أشرف على مسار الكابل ضمن نهر الكلب وعاينه مع الفنيين، ليتبيّن أنه كابل من الألياف الضوئية يتضمن 24 فيبرا، ما يعني أن هذا الكابل هو بسعة كبيرة ولاستعمالات ضخمة". وكعادة ما يصدر عن يوسف، فإنه فتح الباب على أسئلة أكثر مما أعطى أجوبة للرأي العام. فقد ذكر في البيان عبارة مبتورة، تقول "وكان من المتوقع انتظار وصول زوارق بحرية عسكرية للكشف على مسار الكابل في البحر والتحقق من وجهاته المختلفة". لم يُفهم ما إذا كان يوسف يوجّه اتهاماً للجيش بأنه لم يستجب لطلب إحضار زوارق بحرية للكشف على مسار الكابل، أو أن الزوارق حضرت ولا يريد رئيس أوجيرو إعلان النتيجة. وهذا الكشف جرى بقرار من النيابة العامة التمييزية والنيابة العامة العسكرية، وبحضور موظفين من أوجيرو، وفرق من الفرع التقني في استخبارات الجيش ومن مكتب مكافحة الجرائم المالية في قوى الامن الداخلي. وفيما أشار بيان أوجيرو إلى أن الكابل يمتد من جونية باتجاه نهر الكلب "وصولاً إلى البحر باتجاهات مختلفة"، فإنه لم يذكر مداخله على الشاطئ ولا مخارجه. بمعنى آخر، فإن هذا الكابل يبدو في بيان أوجيرو مرمياً في البحر، من دون أن تُعرف وجهة استخدامه، ومن هم مستخدموه. وبالتأكيد، لم يُغفل يوسف الإشارة إلى الطقس العاصف الذي سيطر على لبنان أمس.
هل حمّل بيان أوجيرو الجيش مسؤولية عدم استكمال الكشف على الكابل؟
بيان أوجيرو يقول شيئاً ولا يقول. وخبر الوكالة الوطنية يقول نقيض البيان. ما يجري أشبه بمسرحية علنية، يُراد إخراجها وفق الطريقة المعتادة. الجميع يكافحون الفساد الظاهر للعيان، لكنهم جميعاً عاجزون عن قول الأمور كما هي، وعاجزون عن كشف الفاسد. مصادر نيابية في لجنة الإعلام والاتصالات رأت في ما جرى أمس "أسلوباً من أساليب حرف التحقيقات أو الضغط على الأجهزة المكلفة بمتابعة الملف". ولفتت المصادر إلى بعض «الثغر» الأخرى التي يُمكن أن تُضم مسرحية أمس إليها، كـ«تضارب التقارير والإفادات والمعطيات، وخير مثال على ذلك رواية اعتداء حرّاس محطة الزعرور على دورية لقوى الأمن الداخلي وفريق أوجيرو أثناء مهمة في سياق التحقيق»، إضافة إلى «تكاسل بعض الأجهزة عن القيام بواجبها، وانتداب أشخاص غير مختصين في الملف لحضور جلسات اللجنة».
هذه الفضيحة لم تستفز السلطة التنفيذية لوضع يديها على الملف. فمجلس الوزراء لا يزال مشغولاً بانقسامه الطائفي حول المديرية العامة لأمن الدولة، الجهاز الأمني الأقل إنتاجية في الدولة. وأمام عجزه عن إيجاد حل لهذه المشكلة، أرجئ إلى الأسبوع المقبل البحث في هذه القضية التي يُتعامل معها كما لو أنها أزمة استراتيجية تهدد أسس الوطن. خلاف بين موظفَين (المدير العام لأمن الدولة ونائبه) على أحقيّة التوقيع، تحوّل إلى أداة لتعطيل مجلس الوزراء. واكتفى المجلس في جلسته أمس بالموافقة على التقرير الفني للجنة المكلّفة حكومياً برفع الحاجات الأمنية في مطار بيروت الدولي، وكلّف وزارة الأشغال بالقيام باستدراج عروض وفق دفتر الشروط الذي أعدّته اللجنة نفسها عبر إدارة المناقصات، في مهلة 15 يوماً.