لم تنتظر قوى 14 آذار طويلاً بعد اغتيال الوزير السابق محمد شطح امس. دقائق بعد تحديد اسم الشخصية التي استهدفتها سيارة مفخخة على طريق وادي أبو جميل ـــ باب ادريس في بيروت، كانت كافية لتحديد منفذ الجريمة في نظر 14 آذار. إنه حزب الله. لم تكتف باستغلال الجريمة للهجوم على الحزب، وعلى سلاح المقاومة، وعلى دوره في سوريا، وعلى كل ما له صلة بعمله السياسي. سريعاً، قرّرت «صرف» هذا الاتهام في بازار تأليف الحكومة. بدت كمن يقول للطرف الآخر: «انت قتلت محمد شطح. أعطِنا الحكومة التي نريد فنسامحك». الحكومة هنا باتت ديّة يدفعها المتهم من دون أي دليل، لقاء «غفران» خطاياه. بدا ذلك واضحاً من كلام الرئيس سعد الحريري، الذي هدّد بالمطالبة بحكومة من لون واحد، يقتصر التمثيل فيها على قوى 14 آذار و«الوسطيين». رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع اوغل في التفاصيل. يريد «تقريش» الجريمة، فيما جثمان الضحية لم يُدفن بعد: بدأ جعجع توزيع الحقائب في الحكومة المقبلة. يريد الوزارات الامنية، بذريعة أن فريق 14 آذار مستهدف. أداء 14 آذار كان شبيهاً أمس بادائه قبل اكثر من 8 سنوات، عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري. حينذاك، كان الاتهام السياسي لسوريا وبعض حلفائها مطية لتسليم السلطة إلى ورثة الحريري. يوم امس، بدا فريق 14 آذار مستعجلاً تكرار التجربة. اتهام حزب الله باغتيال شطح يرمي إلى العودة إلى الحكم.
امنياً، الجريمة قاسية. من نفّذها أراد، بحسب أمنيين، القول إنه يستطيع الوصول إلى أي كان. فقبل موكب شطح، مرّ الرئيس فؤاد السنيورة والوزير السابق أحمد فتفت وغيرهما من شخصيات فريق تيار المستقبل باتجاه منزل الرئيس سعد الحريري في وادي أبو جميل. التحقيقات بدأت أمس، لكن كالعادة، من دون تنسيق يُذكر بين الأجهزة الأمنية. يجري العمل على عدة خطوط: بيانات الهاتف، كاميرات المراقبة الكثيرة في محيط ساحة الجريمة، والسيارة المفخخة (هوندا سي آر في، زيتية اللون) بأكثر من 50 كلغ من المتفجرات، والمركونة قبل منعطف يجبر سائق السيارة المستهدفة على تخفيف سرعته. وبحسب مصادر أمنية، فقد عثر المحققون على قطع من السيارة المفخخة تحمل أرقاماً متسلسلة. وتبيّن أن أحد هذه الأرقام يعود لسيارة «هوندا سي أر في» سبق أن قال موقوف قبل أكثر من عام إنه شارك في سرقتها على طريق بيروت ــ صيدا، وإنه نقلها إلى مخيم عين الحلوة. ومنذ ذلك الحين، لم يُعرف مصير السيارة، إلى أن ظهرت في وسط بيروت أمس، أداة لاغتيال شطح. وقالت مصادر أمنية إن استخبارات الجيش أعادت استجواب الشخص ذاته امس، فكرر الإفادة عينها، لناحية القول إنه أدخل السيارة إلى مخيم عين الحلوة بعد سرقتها قبل 14 شهراً.
لكن مصادر أمنية أخرى تحدّثت عن رواية ثانية، تقول إن الموقوف، وهو من مخيم عين الحلوة، وبعدما سرق قبل سنة وشهرين سيارة الهوندا، التي انفجرت أمس، تركها على طريق المية ومية. ومنذ ذلك الحين، لم يظهر لها أيّ أثر حتى صباح أمس.
خسارة لأميركا
جريمة اغتيال شطح كانت قد أثارت استنكار مختلف التيارات والاحزاب والشخصيات السياسية، التي عدّتها «اغتيالا للاعتدال». وكان لافتاً التعامل الأميركي مع الجريمة، إذ دان وزير الخارجية الاميركية اغتيال شطح، مشيراً إلى ان هذه العملية ارهابية، ولافتاً الى ان رحيل شطح خسارة للبنان والشعب اللبناني وللولايات المتحدة الاميركية.
وقال كيري: «جلست مع شطح عدة مرات عندما زرت بيروت في السابق، عندما كنت سيناتورا، وهو كان صوتاً للعقل، والمسؤولية والاعتدال». وأكد انه سيفتقد شطح «ورؤيته للبنان بعيداً من الاقتتال الطائفي».
ودعا «الى الالتزام باتفاق الطائف واعلان بعبدا وقرارات الامم المتحدة 1559 و1701 حتى ينعم لبنان بالاستقرار».
وسبق تصريح كيري بيان للسفارة الأميركية، استنكر الجريمة، وزيارة السفير دايفيد هيل منزل الرئيس سعد الحريري، حيث كانت قوى 14 آذر مجتمعة.
من جهته، دان مجلس الأمن الدولي الجريمة، فيما جددت السفارة السعودية تحذير مواطنيها من السفر الى لبنان، وحثّت الموجودين حاليا في بيروت على العودة الى المملكة، كما دعت السفارة الكويتية مواطنيها في لبنان إلى مغادرته سريعا، وحضت «الراغبين في السفر إليه على التريث».
وفي الداخل، ندد رئيس الجمهورية ميشال سليمان بالجريمة الارهابية، داعياً اللبنانيين «الى التضامن والتكاتف والمساعدة على تأليف حكومة جديدة».
ورأى رئيس مجلس النواب نبيه بري «ان هذه الجريمة حلقة في سلسلة يبدو انها طويلة لتحويل لبنان الى ساحة لتصفية الحسابات، ومحاولة ايقاع الفتنة بين طوائفه ومذاهبه».
ودان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «كل أعمال العنف والقتل التي لا توصل الا الى المزيد من المآسي والخراب والإضرار بالوطن».
وفي اعنف بيان إدانة للجريمة، سارع الرئيس الحريري إلى اتهام «الذين اغتالوا رفيق الحريري، والذين يريدون اغتيال لبنان وتمريغ انف الدولة بالذل والضعف والفراغ»، بجريمة اغتيال شطح.
وأضاف: «المتهمون بالنسبة إلينا، وحتى إشعار آخر، هم انفسهم الذين يتهربون من وجه العدالة الدولية، ويرفضون المثول امام المحكمة الدولية».
وفي حديث تلفزيوني، أشار الحريري إلى أن قادة 14 آذار سيجرون مشاورات فيما بينهم لدرس الخطوات للمرحلة المقبلة. وقال: «كنا نطالب بحكومة حيادية، لكن قد نطالب بعد الجريمة بحكومة من 14 آذار»، رافضاً الحوار.
من جهته، رأى جعجع انه «طبيعي بعد الزلزال الذي شهدناه اليوم ان تتألف الحكومة، ونحن ننتظرها خلال ساعات او ايام».
في المقابل، رأى رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط ان «المطلوب اليوم اغراق لبنان في الوحل المذهبي الشيعي السني، ويجب تجنب هذا الامر». ونصح في حديث إلى «ال بي سي آي» السعودية «بالتحاور مع ايران لتخفيف الاضرار على لبنان، والاحتقان السني ــ الشيعي»، كما نصح الحريري «بحكومة وحدة وطنية برغم فداحة خسارة شطح».
ورأى أنه «اذا طالبت قوى 14 اذار بحكومة من قوى 14 اذار فقط فستكون مغامرة بلا جدوى، وفي السابق انقذتنا قطر، أما اليوم، فليس هناك من يحمينا».
من جهته، حذر رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون من «الاتهامات السياسية والعشوائية، ومن صب الزيت على النار، لأن النار إذا ما استعرت فستحرق الجميع».
ودان حزب الله بشدة الجريمة، مشيرا إلى أنها «تأتي في إطار سلسلة الجرائم والتفجيرات التي ترمي إلى تخريب البلد، وهي محاولة آثمة لاستهداف الاستقرار وضرب الوحدة الوطنية، لا يستفيد منها إلا أعداء لبنان».