لا حاجة لمن يشرح للناس بأن تيار المستقبل وفريق 14 آذار يتهمان حزب الله بالوقوف خلف جريمة اغتيال الوزير السابق محمد شطح. منطق هؤلاء يستند الى قناعة سياسية ــــ وربما غير سياسية ــــ بأن حزب الله هو من يقدر على تنفيذ الاغتيالات، وانه لا يريد أي صوت معارض له، وانه يريد ارهاب خصومه في لبنان. منذ زمن بعيد، يعود الى تسع سنوات على الاقل، الفريق نفسه، قبل تشكله كائتلاف سياسي، او بعد خروج سوريا من لبنان، يتهم حزب الله، ويتهم معه النظام الامني اللبناني ـــ السوري، بالوقوف وراء سلسلة عمليات الاغتيال السياسي التي حصلت في لبنان، واستهدفت في غالبيتها شخصيات من فريق 14 آذار.

في المرحلة الاولى، قيل ان الحزب، ومن خلفه دمشق، ما كانا يحسبان ان القيامة ستقوم اذا نفّذا اغتيال هذه الشخصية او تلك. وقيل، ايضاً، ان من قرر الاغتيال لم يكن يحسب ردة الفعل بطريقة جيدة، وانه ما كان مهتماً بغضب الناس ولا بحسابات اقليمية ودولية. ثم اصر الفريق نفسه على اتهام الجهة نفسها، قائلاً ان حزب الله لا يريد التوقف عن ارهاب خصومه. ومرّ كلام كثير عن ان الحزب مجرد اداة في يد النظام السوري، وانه مضغوط ومحشور هنا وهناك، وأنه مضطر للقيام بالامر نفسه، لأنه لا يملك وسيلة غير القتل في مواجهة خصومه. ثم خرج كلام آخر، فيه ان الحزب يقصد من القتل تعطيل عمل المحكمة الدولية، ثم اتهم بالعمل نفسه لأنه يريد اغراق المحكمة بالملفات ويصعّب عليها مهمتها. ثم قيل انه يريد توسيع دائرة الحرب من سوريا الى لبنان، وقطع الطريق امام اي محاولة لاعادة بناء الحياة السياسية بشكل سليم.
وفي كل مرة، كان فريق 14 آذار يخلص الى نتيجة واحدة: ها هو القاتل يواصل سفك الدماء، وهو يخسر!
في كثير من الاحيان يفهم المرء ان الغضب والتوتر والحقد يمكن ان تدفع الى اتهام سياسي، او حتى الى تركيب ملف ضد خصم آخر. لكن في حالتنا هذه نضطر الى طرح الاسئلة البريئة او الكيدية:
ــــ هل حزب الله غبي الى درجة انه لم يتعلم من الاغتيال الاول، وهل تدلّ مسيرته على قصور يجعله أسير هذه اللعبة؟
ــــ هل كانت نتائج هذه الاغتيالات في مصلحة حزب الله، كحركة مقاومة او كحركة سياسية، او كجهة تمثل اليوم مركز الاستقطاب الابرز عند الشيعة العرب؟
ــــ هل يعمل حزب الله عند خصومه، فيمدّهم بالزاد كلما واجهوا ضائقة، ويساعدهم على توفير مناخات لاتخاذ مواقف او خطوات عملية تستهدفه بشكل مباشر؟
ــــ ألا يجيد حزب الله طريقة اخرى في ترهيب خصومه طالما انه لم ينجح في المرة الاولى والثانية والثالثة... الخ؟
ــــ هل حزب الله، المنشغل من رأسه الى اخمص قدميه في مواجهة وضع هو الاكثر استثنائية في سوريا والمنطقة، يجد نفسه في وضع صعب يضطر فيه الى ملاعبة خصومه المحليين من خلال عملية اغتيال كهذه؟
ــــ اذا كان حزب الله يرفض اليوم تشكيل حكومة امر واقع، فهل يعطي خصومه المحليين والاقليميين والدوليين اداة ضغط لجعل هذه الحكومة امراً واقعاً ومعاشاً؟
ــــ هل تعهّد الحزب، في كل مرة يكون لبنان فيها على موعد مع اعمال المحكمة الدولية، ان يقتل شخصية من الخصوم لتحريض المحكمة على مزيد من العمل ضده؟
ــــ اذا كان الحزب محترفاً بالقدر الذي يجعل الخصوم ينسبون اليه كل هذه الاعمال، فلماذا يختار هدفاً ولا يختار آخر أكثر تمثيلاً في فريق الخصوم؟
في السياسة البديهية، ثمة توقّع بحصول ما حصل. لا يمكن لمراقب ان يحمل لائحة اسمية بالاشخاص والامكنة. وثمة تقديرات اكثر علمية، ومستندة الى معطيات ووقائع، تقول ان لبنان مقبل على مزيد من الجنون ومزيد من الدماء. وكما في كل مرة، يتسع لبنان لحشد عالمي من القتلة، كما يتسع لحشد من القتلة من أبنائه. ومن لا يريد تحكيم صوت العقل، يمكنه ترك الدموع تغلق الاعين، والغضب يمسك بالعضل، ويسير نحو هاوية لا تبقي ولا تذر.
لبنان الذي يعيش تحت وطأة الازمة السورية سيكون اكثر سخونة كلما تعدّلت الصورة في بلاد الشام. لم يبق جهاز امني في العالم الا واتى الى لبنان، حاملا المعلومات والمعطيات عن «الساحة المشرعة» امام «اجيال من الارهابيين». ومن يسعى الى تفجير الوضع سياسياً من خلال خطوات على شكل مغامرات، مثله مثل الذي يسعى الى جعل لبنان قاعدة انطلاق لعمليات ارهابية او مركزاً لنشاط ارهابي مرتبط بما يجري في سوريا. ومثل هؤلاء، من يفكر ان جريمة كهذه، يمكن ان تقلب الوضع السياسي لمصلحة هذا الفريق او ذاك.
واضح ان النقاش لا مكان له وسط هذا الجنون السياسي والامني. وواضح اكثر ان فريق 14 آذار يريد مواصلة الرقص فوق الدماء لاستثمارها هنا او هناك. وواضح اكثر ان من يريد نقل لبنان الى مرحلة اكثر قساوة في الحرب الاقليمية ـــ الدولية القائمة في منطقتنا، ولا سيما في سوريا، انما لا يريد غير الانفعال والفتنة والجنون. وفي هذه الحالة، كيف يمكن الابتعاد خطوة الى الخلف، لمراجعة المشهد كله، وللنظر ملياً في احوال بلد لم يبق منه سوى اسمه؟