مقالات مرتبطة
-
عداد الموت السوري «يسابق» الكارثة زياد غصن
-
السادسة... سنةُ «التحولات الكبرى» صهيب عنجريني
-
اّذار الجمر الأخبار
نعرف ماذا جنى «فاعلو الخير» على أنواعهم، وجيش المطبّلين والمرتزقة الذي يستفيد بمختلف الأشكال، وهو يُبزنس بـ«الربيع»، من مبدعين وإعلاميين ومثقفين وباحثين ورجال دولة طبعاً. لكن، سوريا، ما الذي جنته؟ مئات آلاف الضحايا، ملايين اللاجئين المشرّدين على دروب الذل القريبة والبعيدة. الطاقات الحيّة والنخب التي شفطها نهائيّاً الغرب العطوف، باسم «رسالته الإنسانيّة». الخراب العظيم الذي طاول المدن العريقة، والبنى التحتيّة، والتراث العمراني، والكنوز الحضاريّة، وذاكرة خصبة ضاربة عميقاً في التاريخ... والأخطر من كل ذلك، تلك الهوّة الفاغرة في قلب المشرق، مزّقت أحد أسخى الشعوب العربيّة وأرقاها وأنضجها وأكثرها انفتاحاً وتسامحاً وتنوّعاً وخصوبة. فتّتت المجتمع الأهلي، وأنبتت اللحى المدوّدة، وأغرقت الناس المقهورين في حرب أهليّة بشعة بلا قرار. أغرقتنا جميعاً في مستنقع التعصّب والتزمّت والحقد، مستنقع المذهبيّة والهمجيّة المختبئة خلف ستار صحوة دينيّة مزيّفة كاذبة مارقة. هكذا استشرى طاعون التكفير، ليتجاوز حدود سوريا فيعصف بالمنطقة العربيّة برمّتها... الحكم المستبد في سوريا شريك في هذه اللعبة القاتلة؟ ربّما؟ لكن لا مقارنة ممكنة بين دولة ومؤسساتها، وبين جحافل الهمج الملتحين الزاحفين من أربعة أقطار الأرض لقطع الرؤوس وسبي النساء وتدنيس الكنائس و... «تطبيق الشريعة»! هؤلاء لا بد أن هناك من جنّدهم وعبّأهم وموّلهم ودرّبهم وجهّزهم وشرّع لهم الأبواب! وهؤلاء ورعاتهم هم اليوم أعداء سوريا الفعليّون، وأعداء الشعوب العربيّة، وقتلة أحلامنا بربيع عربي حقيقي. هؤلاء هم الخطر العظيم على شعوبنا، وأوّل من سيسحلون المثقف الباريسي المستلب بـ«أصدقاء سوريا»! وإذا «نأينا بنفسنا» ولم نضع حدّاً لهم بكل ما أوتينا من وسائل، فسيقضون على آخر آمالنا بالتقدّم والحريّة والسيادة، في مجتمعات تعددية مستقرّة عادلة.
خمس سنوات سالت خلالها أنهار الدم والدمع، قتل الأخ أخاه، وتآلفنا مع مشاهد المجازر والخراب والأجساد المرميّة من شاهق... وسقطت المعايير، فإذا بالعدو الاسرائيلي صديقاً في لعبة المفاضلات! لكن، رغم كلّ ذلك، فإن سوريا بقيت. شيء عميق ومتجذّر في المكان والزمان والضمائر. واليوم تلك القوّة الخفيّة التي تشكّل روح الأمّة، تقول للإخوة المتحاربين إن الوقت حان للبحث عن أفق منطقي وعقلاني للخلاص. باسم الأرض، باسم الشعب، باسم العذابات المريرة، باسم المستقبل. اليوم يرنو العرب والعالم إلى جنيف، رغم المصاعب والتعقيدات. لا خلاص إلا بالتفاوض، رغم حالة التلوث العبثي التي تفرضها لعبة الأمم وتوازناتها. بين المفاوضين هناك أضغاث المتأسلمين «المعتدلين» الذين اختارهم الملك الأعور بتكليف من دراكولا البيت الأبيض، ليرسموا ملامح المستقبل والشرعيّة. لكن هناك أيضاً المعارضة العلمانيّة والديمقراطيّة التي ينبغي أن تنتزع دورها، فهي المؤتمنة على حقوق الشعب ومطالبه بالتغيير والعدالة، وهي تشبه سوريا المتمرّدة، وتشبه المستقبل. لن ينقذ سوريا إلا الأم الأصليّة: تلك التي تريد ابنها كاملاً، ولا ترتضي أن تتقاسمه مع الأم المزيّفة، فلا تحصل إلا على بعضٍ من جسده المشلّع!