يستنجد فريق الرابع عشر من آذار بكلام رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، للحديث عن التفجيرين الانتحاريين اللذين وقعا على مقربة من السفارة الإيرانية في بيروت أمس. فالأخير، ردّ على كلام الأمين العام السيّد حسن نصرالله في ذكرى عاشوراء، بالقول إن «عدم حاجتك لغطاء منّا، لا يُلغي حقيقة أن انعكاس تورّطك في سوريا يطالنا جميعاً». هكذا، يختصر آذاريون الجريمة. لم يمضِ وقت طويل على تفجير الرويس (الضاحية الجنوبية).

المأساة هي نفسها، والسبب الأساس عند فريق 14 آذار، قبل أي شيء آخر، هو ذاته أيضاً: «ما دام حزب الله لا يُريد تحييد نفسه ولا تحييد البلد عن نار الأزمة السّورية، فسندفع الثمن». ورغم أن سبب هذه الأعمال، في نظر «ثوار الأرز»، هو حزب الله الذي «فتّح عيون الحركات الإسلامية المتطرفة في سوريا على لبنان»، قرأ الآذاريون في تفجير بئر حسن معطيات «مختلفة»، أو الأصح «أكثر خطورة» عن تلك التي سبقت. يتساءلون عن «اختيار مقرّ السفارة الإيرانية تحديداً، لا موقعاً تابعاً للحزب، أو أي شارع في الضاحية مثلاً؟». هذا الواقع الأمني الجديد فرض عليهم توسيع «بيكار» تحليلاتهم، ولا سيما بعدما انتقلت المعركة من مرحلة السيارات المفخّخة إلى مرحلة الانتحاريين، ما يعني تأجّج الصراع واتجاهه نحو منحى خطير يهدّد بتفجير البلد.
استهداف السفارة الإيرانية، بحسب مصادر فريق 14 آذار، «لا يعني توجيه رسالة إلى حزب الله»، بل إلى «إيران نفسها». كذلك فإن استبدال العبوات بمفجرين انتحاريين، يشي بأن اللاعبين الإقليميين في سوريا «قرروا لعب مباراتهم وجهاً لوجه، لا عبر حلفائهم». لكن المشكلة هي في أن «لبنان هو العنوان الوحيد الذي يراه الطرفان المتصارعان في سوريا، وتحديداً إيران والمملكة العربية السعودية، مناسباً لمخاطبة أحدهما الآخر»، في وقت «يساهم حزب الله في تحويل ما يسمّيه حرباً على الإرهاب في سوريا إلى فتنة شيعيّة ـــ سنّية داخل لبنان». يعترف خصوم حزب الله وإيران في لبنان بأن تفجير أمس «هو ردّ فعل على تقدّم الحزب والجيش السوري ميدانياً، وسقوط العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة». كذلك يرى هؤلاء أن «اختيار السفارة الإيرانية هدفاً للتفجير ليس صدفة»، بل «يرتبط بما يُحكى عن معركة القلمون في سوريا وما يجري فيها». هذا على المستوى الأمني. أما في السياسة «فليس تفصيلاً أن يسبق التفجير مفاوضات جنيف السوري وجنيف الإيراني»، في ظل «تعاظم الدور الإيراني على مستوى المنطقة». وهذا الواقع «يصل بلبنان إلى نقطة الانفجار الذي حاولت معظم الأطراف اللبنانية تجنّبه»، في وقت «يصعب على الدولة اللبنانية الإمساك بزمام الأمور، وضبط الوضع».
ومع أن قوى 14 آذار تسلّم بحقيقة أن ما يجري يدخل في إطار «الصراع السعودي ـــ الإيراني»، وأن «المملكة تضع كل ثقلها بغية عدم سقوط القلمون»، وتسعى دبلوماسياً لأن «لا يُقدّم الأميركيون للإيرانيين تنازلات كبيرة»، ترفض مصادرها «اتهام المملكة بالقيام بأعمال إرهابية داخل لبنان، ولا استخدام أي جماعة إسلامية متطرفة لتنفيذ عمليات انتحارية، بهدف تحقيق توازن رعب بين الطرفين». لذا تذهب هذه المصادر إلى اتهام «القاعدة»، التي نفى فريقها مراراً وجود خلايا لها في لبنان، معتبرين أن «الحديث عن الموضوع يصب في سياق التغطية على الجرائم التي يرتكبها النظام السوري وحزب الله».
غالباً ما تتجنب الجهة المتضرّرة من التفجير توجيه الاتهام إلى جهة محددة، فتعيد العمل الإرهابي إلى مخطط غربي يستهدف محورها، هذا على المستوى الرسمي. لكن ما من شك في أن جمهور المقاومة في لبنان يرى في ما حصل «رسالة سعودية موجهة ضده»، إذ لا يتوانى عن تسمية الأمور بأسمائها «السعودية هي عدوّتنا»، فيطالب «بطرد السفير السعودي في لبنان أو اقتحام السفارة السعودية».
لعلّ هذا أكثر ما يؤرق الفريق المتحالف مع حكام آل سعود. فمؤيّدو السياسة السعودية في لبنان يتخوّفون من أن «يستخدم فريق إيران في لبنان الساحة الداخلية للرد على ما يعتبرونه إرهاباً سعودياً»، وأن «ينفذوا عمليات ثأرية تستهدف مصالح سعودية أو مقار رسمية تابعة لها». فلهذا الأمر «تداعيات خطيرة»، من شأنها أن «تفتح باب جهنم علينا، من حيث ندري أو لا ندري». يحرص الآذاريون على مصالح حليفتهم. هدفهم الوحيد في المرحلة المقبلة «حث الفريق الآخر على تجنّب اللعب مع المملكة على الأرض اللبنانية». بعبارة واحدة، يعبّر هؤلاء عن خوفهم: «إياكم وفتح المعركة معها هنا، إياكم والسفارة السعودية»!