منذ قرار لجنة مقاطعة إسرائيل في الجامعة العربية بمنْعَ عرض فيلم «الصدمة» في الوطن العربي، مارس زياد دويري سياسة «التمسْكن» وأداء دور «الضحيّة». وحين أيقن أنّ هذه السياسة لم تقْنع كثيرين بـ «خطأ» اللجنة، لجأ إلى تكتيكات متذاكية جديدة.
أ) بعدما نفى مسؤولُ الأنشطة الإعلامية في «حزب الله» أن يكون دويري قد راجع الحزب في موضوع فيلمه، مؤكّدًا أنّ المخرج المذكور «طبّع مع العدوّ، وحزب الله لا يقبل التطبيع»، ادّعى دويري أنّه بعث برسالة إلى استخبارات الجيش اللبناني يخْطرُها فيها بأنه ذاهب إلى تل أبيب لتصوير فيلمه. ولمّا لم يتلقَّ جواباً، أيقن أنّه لا مشكلة في الذهاب (!). غير أنّ دويري لم يُبرزْ صورةً عن «الرسالة» المزعومة، ولم يفسّر كيف أنّ «عدم الردّ» يعني موافقة الاستخبارات على إطاحة القانون اللبناني المعتمد منذ 58 سنة. ولو افترضنا أنّه لم يكن يعْلم بلاقانونيّة ذهابه، فلماذا استخدم جوازَ سفره الأميركي لا اللبناني؟
ب) عمد دويري إلى تذكيرنا بتاريخ والديه في حركة «فتح»، كأنّه لم يسمعْ ببيت ابن الوردي: «لا تقلْ أصلي وفصلي أبداً/ إنّما أصلُ الفتى ما قد حصل»! إنّ الردّ على تكتيك دويري ليس عويصاً: بغضّ النظر عمّا «قاله» حزبُ الله، وما لم تقلْه استخباراتُ الجيش؛ وبغضّ النظر عن «فتحاويّة» والديْ دويري؛ وبغضّ النظر عن مضمون الفيلم؛ فإنّ ما فعله دويري تطبيعٌ واضح:
1) بحسب قانون مقاطعة إسرائيل لعام 1955 الذي نصّ على لاقانونية «امتلاك أو المساهمة في مؤسّسات أو أعمال إسرائيلية داخل إسرائيل أو خارجها».
2) وبحسب معايير «اللجنة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل» التي ترفض زيارات العرب لفلسطين «بإذن من المحتلّ»، وترفض «تنظيم أيّ أنشطة مشتركة، مباشرة أو غير مباشرة، مع أيّ طرف إسرائيليّ تحت أي ذريعة»، وترفض «استقبال أي أكاديمي أو فنان أو مثقف عربيّ من المؤسسات الأكاديمية والثقافية الفلسطينية بعد زيارة أو إقامة علاقات مع أطراف
إسرائيلية».
لقد سنّ لبنان قانوناً، ووضعت اللجنة الفلسطينية المذكورة معايير واضحة، من أجل جملة أهداف قد يكون بينها ألا ينبري أحد، كدويْري أو غيرِه، لتفسير الأمور على مزاجه، وللزعم بعد ذلك بأنّه «يَخدم» فلسطين!» وإنْ كان لا بد من رجاءٍ ملحٍّ اليوم، فهو الطلبُ إلى المشرّعين اللبنانيين توسيعَ القانون الصادر عام 1955 ليشمل التطبيعَ في المجالات الأكاديمية والفنية والنشرية والإلكترونية والعلمية والرياضية، وأن يُطرح على المجلس النيابي لإقراره تمهيداً لتطبيقه.


■ ■ ■


تكتيك آخر استخدمه دويري، هو استعداءُ فرنسا على «دولته» اللبنانية. لقد اتصل بالوزيرة الفرنسية الفرنكوفونية يمينة بنغيغي التي «تعهّدتْ» له التوسّط لدى الحكومات العربية لرفع الحظر عن فيلمه، ووجّهتْ رسائلَ إلى رؤساء الدول الأعضاء في الجامعة العربية والمنظمة الدولية للفرنكوفونية. والحقّ أنّه كان أحرى بمن يزعم «خدمة القضية الفلسطينية» أن يطالب الوزيرة بالإفراج عن المناضل جورج عبد الله، القابع في السجون الفرنسية منذ 30 عاماً، بدلاً من الإفراج عن فيلمه. وهنا ينبغي ألّا يفوتَنا الفارق بين دولة تنتهك قانونَها بنفسها حين تواصل «خطف» جورج سنوات عديدة تفوق مدّة محكوميّته القانونية، ودولة تطبّق قانوناً يمنع الاتصالَ بالإسرائيليين منذ 58 عاماً.

■ ■ ■


التكتيك الدويري الأخير، القديم ـ الجديد في الحقيقة، هو مساواة القانون بالقمع. الواقع أنّ القانون لا يساوي القمعَ بالضرورة؛ على العكس، القانون العادل يُفترض أن يحصّن المقموعين من استبداد القامعين وجبروتهم.
ثم إنّ هناك فارقاً شاسعاً بين الرقابة على الأعمال الفنية (لأسباب يُزعم بأنها أخلاقية ودينية)، وتطبيق القوانين على التعامل مع العدوّ. إنّ الاتصال بالإسرائيليين، ودفعَ أجور لممثّليهم وفنيّيهم، والإقامة في فنادقهم أو شققهم المفروشة، وابتياعَ مأكولاتهم ومشروباتهم، واستخدامَ وسائل مواصلاتهم... كلّها تسهم في دعم اقتصادهم، كما أنّ موافقة إسرائيل على أن تستضيف فيلماً «يخدم» القضية الفلسطينية (بزعم دويري)، وتقديمَها جائزةً لهذا الفيلم في مهرجان القدس الغربيّة (حسام عاصي، جريدة «القدس العربي»، 14/7/2013)، يسهمان في تكريس سمعتها الكاذبة عن «الديمقراطية»، وعن كونها «قبلة» الفنّانين الأحرار.
يواصل دويري، إذن، اختلاقَ تكتيكات بائسة. من الحسن أنّ السلطات اللبنانية والجامعة العربية لم تتراجعا عن قرارهما (الصائبِ هذه المرة) بذريعة «الدفاع عن حرية التعبير». وعلى الشعب اللبناني، ولا سيما العاملين في الشأن السينمائي، ألا ينجرّوا إلى تكتيكات دويري وتمثيلياته «الضَحَويّة». معركتنا هي ضدّ التطبيع، لا ضدّ الحرية. وأنصارُ فلسطين الديمقراطية الحرّة هم أكثرُ مَن يعْلمون أنّ الحرية والتحرير صنوان لا ينفصلان!

حملة مقاطعة داعمي "اسرائيل" في لبنان


«حملة مقاطعة اسرائيل» تحاسب زياد دويري

حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل»: زياد دويري كفى تمسكناً!