سيد البحراوي * في تقديري أنّ دكروب أهمّ منشط ثقافي عربي عرفته، وهو أيضاً من أنبل الشيوعيين العرب الذين عرفتهم. كانت فيه خصائص لا تتوافر في الكثير من المثقفين والشيوعيين العرب. بالإضافة الى حسه النقدي، تميّز بمزاج إبداعي خصب مكّنه من التواصل مع قطاعات عريضة وأجيال مختلفة ومتنوعة من البشر بحثاً عن إمكانياتهم الحقيقية وسعياً لاكتشاف أفضل ما في الناس. وهي سمة نادرة بالفعل بالقياس الى تصحر واقعنا العربي بالذات على الصعيد الفكري. وقد انعكست كل تلك السمات على عمل دكروب في إدارة وتحرير مجلة «الطريق» وإشرافه على منشورات «دار الطليعة» في سنوات توهجها.

أذكر أن أوّل كتاب لي نشرته بفضل تشجيع دكروب في سلسلة «الفكر الجديد»، رغم تحفّظه على الطريقة التي كنت أكتب بها ولا يمكن لتاريخ النقد العربي أن ينسى دوره في تحفيز محمود أمين العالم، وعبد العظيم أنسي على نشر كتابهما الشهير «في الثقافة المصرية». وهو كتاب فتح طريقاً لم يكن مطروقاً في عالمنا العربي ولا يزال أثره قائماً الى اليوم. بالإضافة إلى تلك الموهبة، كان يمتلك رقة متناهية ودماثة خلق، حتى أكاد أجزم أنه من أرقّ البشر الذين عرفتهم، ويصعب تعويض شخص مثله لأنّ الأجيال الجديدة لم تكتسب هذه الصفات.
ومن زاوية تتعلق بعملي النقدي، أظنّ أنّ دكروب كان ناقداً مبدعاً بفضل بداياته في كتابة القصة القصيرة، وهي بدايات تبدو مجهولة لمن تابعوا سيرته. في حوار أخير معه، كشف عن تلك البدايات التي يمكن العثور على آثارها في معايير التذوق الفني للنصوص، وهي معايير لم تجعله ينطلق من نظريات صماء. وقد انعكس ذلك أيضاً في تعامله مع النصوص وتلقيها برحابة على عكس كثيرين من النقاد الملتزمين أو النقاد الأكاديميين سعياً لإقامة صلة بين القارئ والنص، وهو أمر لم يكن يجاريه فيه إلا الراحل علي الراعي الذي كان يدخل النص من باب الحب، لا من أبواب الكراهية.
* ناقد وأكاديمي مصري