كما أغلبيّة المناطق اللبنانيّة، تنقسم الحسابات الانتخابيّة البلديّة لأبناء ضهر الصوان بين العائليّة والحزبيّة. تَعدُّ البلدة 850 ناخباً يقترع منهم 650 شخصاً. يشكّل "التيار العوني" الكتلة الانتخابيّة الأكبر بمعدّل 225 صوتاً، يليه "الكتائب" بمعدّل 150 صوتاً، ومن ثمّ "القوات" بمعدّل 50 صوتاً، إضافة إلى سطوة العائلات بحيث تشكّل عائلتا ميلان ومعتوق القسم الأكبر من البلدة. في عام 2010 أخذت المعركة طابعاً قواتياً - عائلياً، ونجح نصري ميلان المقرّب من الرئيس اميل لحود وتربطه علاقة جيّدة بآل المرّ، بالفوز بالمعركة، منتزعاً سبعة مقاعد في المجلس البلدي من أصل تسعة، لكنّه سرعان ما خسر أحدهم (نائبه بولس القزي) الذي اصطف مع العضوين الفائزين من اللائحة المنافسة (سركيس بو فرح وشربل لحود) حول ما اعتبروه تجاوزات في عمل المجلس البلدي.
يتهم المعارضون رئيس البلدية بإخفاء سجلات البلديّة وحساباتها

يستعرض معارضو رئيس البلدية، وهم نائب الرئيس بولس القزي وعضو البلدية سركيس بوفرح والعضو السابق شربل معتوق، لـ"الأخبار" مجموعة ممّا وصفوها بـ"مخالفات الريّس". بدأ ميلان عهده طارحاً فكرة شراء مولّدات طاقة خاصّة بالبلديّة وسرعان ما بدأت المشكلات؛ اشترى المولّدات وتمديداتها من حساب البلديّة بقيمة 500 مليون ليرة لبنانيّة. أجرى مناقصات شرائها وتركيبها خلافاً للقانون، مع متعهّد واحد (ابن عمّ أحد الأعضاء). رفض إدخال حسابات المولّدات وتفاصيل تشغيلها إلى سجل البلديّة. ثمّ استتبعها بمشكلة أخرى حول مستوصف "مار سركيس وباخوس" الذي توقف العمل فيه منذ عام 2010، واستمرّت البلدية بصرف المال العامّ لشراء الأدوية وتشغيله من دون إدخال عائداته إلى صندوق البلديّة.

اختلاس وتوطين الخلجان!

نصري ميلان هو مهندس يعمل في العقارات. منذ توليه مهمّاته بدأت تظهر حالات الفوضى، بحسب المعارضين أنفسهم. تبلغ مساحة البلدة حوالى 3 مليون متر مربّع، بيع منها حوالى 319 ألف متر مربّع لخليجيين حتى عام 2011. وبحسب آخر إحصاء أجري بتكليف بلدي في العام نفسه، تبيّن وجود 199 وحدة سكنيّة لأهالي البلدة، 634 وحدة سكنيّة للبنانيين من خارج البلدة، 128 وحدة سكنيّة لخليجيين، وراهناً هناك حوالى 32 وحدة سكنيّة قيد الإنشاء مباعة لخليجيين.
يتهم المعارضون رئيس البلدية بعدم الاستجابة إلى طلباتهم بالاطلاع على سجلات البلديّة وحساباتها. يجزمون أنها تخفي أولاً: تلزيمات تمّت بمناقصات عرضت عبر الفاكس أو بصورة لاحقة للعمل التنفيذي. ثانياً: صرف مبالغ على مساعدات خيريّة لأهداف انتخابيّة من دون التقيّد بأصول صرفها أو مناقشتها. ثالثاً: التعاقد مع إحدى شركات الإحصاءات للقيام باستطلاع حول أداء البلدية قبيل أشهر من موعد الانتخابات. رابعاً: استعمال السلطة لخدمة مصالح شخصيّة خصوصاً في موضوع رخص البناء بحيث يكون هو المتعهّد والمهندس في آن معاً. خامساً: تسجيل الهبات النقديّة في سجلات البلديّة على أنها عينيّة، من ضمنها هبة من مقيم إماراتي بقيمة 40 ألف دولار أميركي على دفعتين. سادساً: دفع فواتير لمستشار في البلديّة من دون وجود عقد بالتعامل معه، تعيين أكثر من 6 محامين لصالح البلديّة من دون الحاجة إلى هذا العدد، وقد فاقت القيمة المدفوعة لأحدهم خلال سنة واحدة 26 مليون و630 ألف ليرة لبنانيّة. صرف مبالغ مسح أراضي من دون وجود تكليف رسمي بها.

ردّ الريّس

"كلّ هذه الاتهامات سببها الغيرة وهي محض سخافات يطلقها العضوان اللذان خرقا اللائحة"، يرد ميلان في حديثه الى "الأخبار"، و"انضمّ لهما لاحقاً نائبه الذي كان يمتلك مولّداً كهربائياً وتضرّرت مصالحه بعد شراء المولّدات التي تشغّلها البلدية". يفاخر ميلان بإنجازاته "أنا مهندس، لقد صمّمت ونفّذت مشروعاً بلدياً نموذجياً، حوّلت ضهر الصوان إلى أجمل بلدات المتن. يحاربونني كلّما قدّمت مشروعاً لخدمة البلدة. أغلقوا مستوصف مار سركيس وباخوس، الذي قدّمنا له بقرارات بلديّة الأدوية لخدمة الأهالي، فافتتحنا مستوصفاً آخر لكنّهم يريدون معرفة المستفيدين منه للضغط عليهم". أمّا عن اتهامه بعدم إعطاء نسخ عن محاضر الجلسات والقرارات وسجلات البلديّة لتبيان تسجيل الهبات وغيرها من الفواتير يردّ ميلان: "هودي مساطيل! يجهلون العمل البلدي. كلّ الهبات مسجّلة (طلبت "الأخبار" الحصول على نسخ عنها، ووعدنا بإرسالها ولكن لم يتمّ ذلك)".
عن التلزيمات، وترخيص مشاريع عقاريّة يكون هو مهندسها والمتعهّد فيها يردّ: "هل هناك من قانون يمنع رئيس البلديّة من أن يكون مهندساً؟ الرخص تُمنح بموجب كشف فنيّ صادر عن اتحاد البلديات". جواب لا يردّ على فرضيّة استغلال السلطة، فلا قانون يمنع رئيس بلديّة من أن يكون مهندساً، لكن مبدأ الشفافيّة يفرض عليه أن لا يستغلّ منصبه خدمة لمصالح شخصيّة، مع الإشارة إلى أن ميلان عضو في اتحاد بلديات المتن.

الرحلة القضائيّة

شهرياً تبلغ واردات المولّدات حوالى 70.000 دولار أميركي بحسب المعارضين. كُلّف موظّف بلدي بجبايتها مقابل حصوله على راتب شهري وعمولة. وجّه بو فرح ولحود كتابات عدّة للحصول على كشوف ومحاضر الجلسات وسجلات المولّدات ومداخيل المستوصف، من دون نتيجة، إلى أن قدّموا شكوى ضدّ ميلان وأعضاء معه امام النيابة العامّة الماليّة برئاسة القاضي داني شبلي، فصدر قرار بالادعاء عليه وفق المادة 373/عقوبات في نيسان 2015، التي تجرّمه بالسجن ودفع غرامة ماليّة إذا ثبت إهماله في وظيفته العامّة. عندها طلب القاضي علي ابراهيم إحالة الدعوى على القاضي المنفرد الجزائي روني شحادة لاتخاذ الإجراءات القانونيّة، بعدما طلب إذن ملاحقة بحقّ ميلان من محافظ جبل لبنان للاشتباه بارتكابه جرماً جزائياً، وما زالت المحاكمة سارية. لكن ميلان مستمرّ بعمله؟

القرار مجمّد في الأدراج

إحالة الدعوى على القاضي الجزائي، تزامنت مع شكوى لدى لجنة الشكاوى في وزارة الداخليّة برئاسة القاضي عمر حمزة، بتهمة عقد جلسات لتمرير اختلاسات وسرقة وفواتير وحسابات نقديّة. استجوب خلالها رئيس البلديّة وعيّن على إثرها المحاسب هشام كبار للتحقيق بسجلات البلديّة، فأثبت الاختلاس والسرقة والهدر التي ارتبكها ميلان بالتعاون مع أمينة سرّه سحر معتوق التي تعمّدت ترك خانات فارغة في السجل اليومي لملئها لاحقاً، وأمينة الصندوق كريستال سعادة الغائبة عن البلديّة، باستثناء توقيعها الممهور على بياض، على إيصالات وحوالات صرف متروكة بتصرّف رئيس البلديّة. نتيجة للتحقيقات ادّعى حمزة عليه، وأرسل الملف إلى وزير الداخليّة للموافقة على إحالته على الهيئة التأديبيّة الخاصة بالبلديات، لكن القرار مجمّد في الأدراج.
لا ينفي ميلان تسجيل أكثر من 25 شكوى بحقّه، ولكنّه يدّعي صدور قرارات تبرئه من أي جرم. يستشهد ميلان بتقرير صادر عن الخبير شربل طربيه الذي عيّنه المدّعي العام المالي داني شبلي، يؤكّد فيه التدقيق بالمستندات البلديّة. أمّا فيما يتعلّق بالشكوى المقدّمة ضدّه في وزارة الداخليّة، وتقرير الخبير هشام كبار، يقول ميلان إن "كبار قدم إلى البلدية وطردته، وهو بناءً على تحقيق استغرق ساعتين فقط، وجد أن هناك اختلاساً وسرقة. الداخليّة مدركة لذلك، ولم تتحرّك لأن لا ثقة لها بتقريره وبعمله".

حاولت "الأخبار" الاتصال بوزير الداخليّة والبلديّات نهاد المشنوق مرّات عدّة لاستيضاحه حول أسباب عدم إحالة ميلان على الهيئة التأديبيّة، ورمي الأطراف المعنيّة المسؤوليّة على فاسدين في أروقة الوزارة، إلّا أننا لم نلقَ جواباً.




25 شكوى واعتراضاً

بعد ست سنوات على فوزه في الانتخابات، هناك أكثر من 25 شكوى واعتراضاً بحق نصري ميلان في وزارة الداخليّة والبلديّات والنيابة العامّة الماليّة ولدى القائمقام والمحافظ، من ضمنها دعوى بتهمة عقد جلسات رغم صدور حكم من القاضي زياد أيوب حمل رقم 13207 بتاريخ 25/8/2015 يمنعه من عقد أي جلسة للبت بمواضيع لها علاقة بصرف الأموال قبل مناقشة الحساب القطعي لعامي 2013 - 2014 والتصديق عليه. شكوى أخرى لدى المحافظ لكفّ يده عن العمل البلدي. طعن أمام مجلس شورى الدولة لمخالفته القانون البلدي وعقد جلسة قطع حساب 2013 برئاسته وتغييب نائبه الذي ينصّ القانون على ضرورة وجوده لترؤس الجلسة.