سُئل جون كيري أمس: هل هناك ما يمكن فعله أو عرضه على حكومة بشار الأسد لمنع الهجوم على سوريا؟ فأجاب: «بالتأكيد.. يمكن أن يسلّم الأسد كل أسلحته الكيميائية للمجتمع الدولي خلال الأسبوع المقبل. يسلّمها كلّها دون تأخير ويتيح بيانات كاملة وشاملة عنها... ولكنه لن يفعل ذلك ولا يمكن أن يحدث ذلك». وما هي إلا ساعات قليلة حتى أصدرت الخارجية الاميركية توضيحاً رسمياً تقول فيه: «كان الوزير كيري يتحدث بشكل مجازي عن استحالة وعدم إمكانية تسليم (الأسد) الاسلحة الكيميائية».
ما أراد كيري قوله، حسب توضيح الوزارة، إنه «لا يمكن الوثوق بالديكتاتور السوري بشأن تسليم الاسلحة الكيميائية وإلّا لكان قد فعل ذلك منذ فترة طويلة». توضيح كلام كيري كان ضرورياً على ما يبدو، إذ إن الادارة الاميركية لا ترغب في تسكير جميع الأبواب أمام حلّ «سلمي» قبل اتخاذ قرار الضربة الأخير.
لكن كيري لم يكن المُطالب الوحيد بتوضيح كلامه أمس، إذ علت أصوات عدد من الضباط العسكريين والصحافيين ممن طالبوا الرئيس باراك أوباما وإدارته بتوضيح الأهداف العسكرية من الهجوم على سوريا وتأكيد استعدادهم تحمّل مسؤولية تداعياتها.
رسمياً، لم يقدّم كيري في تصريحه من لندن أمس، بعد لقائه نظيره ويليام هيغ، طلباً الى الحكومة السورية بشأن تسليم أسلحتها الكيميائية عندما أجاب عن سؤال تجنّب الهجوم، وأضاف في هذا السياق إن «بشار الأسد وشقيقه ماهر وأحد الجنرالات هم الأشخاص الثلاثة الذين يسيطرون على حركة الأسلحة الكيميائية واستخدامها في سوريا، وهناك أعضاء بارزون في النظام ضبطوا وهم يعطون هذه التعليمات ويشاركون في الاستعدادات».
وأشار كيري الى أنه يثق بالأدلة التي قدمتها بلاده وحلفاؤها، والتي تتهم النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية.
وكرر كيري كلامه عن أن «حلّ النزاع السوري يجب أن يكون سياسياً وليس عسكرياً»، وقال «دعوني أوضح أن الولايات المتحدة، الرئيس أوباما، أنا شخصياً وآخرين، متفقون تماماً على أن وقف النزاع في سوريا يتطلب حلاً سياسياً. لا يوجد حل عسكري، وليست لدينا أي أوهام في هذا الصدد». وتابع «لكن خطر عدم التحرك أكبر من الخطر الذي قد ينجم عن التحرك»، وأضاف «لن نتوصل الى الحل في ساحة القتال، بل حول طاولة المفاوضات. لكن علينا أن نصل الى هذه الطاولة»، في إشارة الى مؤتمر «جنيف2» للسلام الذي يسعى كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الى عقده منذ ثلاثة أشهر.
وفي انتظار تبلور الموقف الاميركي النهائي حيال سوريا بعد المناقشات التي ستجري في الكونغرس، شدد كيري على أن الضربات التي تدرسها واشنطن ستكون «محدودة في الزمن ومحددة الاهداف»، مؤكداً «لسنا ذاهبين الى الحرب».
وعن تلك «الأهداف المحددة» و«الفترة الزمنية» الضرورية و«إمكانية الذهاب الى الحرب» سأل بعض المسؤولين العسكريين، خلال لقاءات تحضيرية في البنتاغون لرسم شكل الهجوم على سوريا. وكشفت مجلة «تايم» الأميركية أن عدداً من الضباط الحاليين في الجيش الاميركي «يشتكون» في الجلسات الخاصة من مسار التحضيرات للهجوم. هؤلاء يعترضون على ما وصفوه بـ«الأهداف الاسفنجية» التي وضعت للذهاب الى الحرب، أي «منع الحكومة السورية من استخدام الأسلحة الكيميائية»، ويبدون قلقهم من «استخدام النظام تلك المواد مرة أخرى في حال لم تكن الهجمة الأساسية كافية». وهنا كشفت «تايم» عن تبلور خطّة عسكرية جديدة «تضاعف حجم الضربة التي أعلن عنها مسبقاً وتطيل فترتها الزمنية الى 72 ساعة وتستخدم طائرات بي 2 ومقاتلات أخرى لإلقاء قنابل أكبر وبكمية أضخم من تلك التي تطلقها صواريخ توماهوك». «حالياً هي فوضى كبيرة تسبب ضياعاً»، هكذا وصف رئيس لجنة الاستخبارات البرلمانية النائب الجمهوري مايك روجرز صورة قرار الهجوم على سوريا، وأضاف «الأمر لا يتعلّق بباراك أوباما، بل بمصلحة الولايات المتحدة».
ومع انطلاق جلسات نقاش مجلس الشيوخ التي ستنتهي بتصويت غداً، نُقل عن أجواء النقاشات حصول بعض المفاجآت، خصوصاً في صفوف بعض المشرّعين الديموقراطيين الذين أعلنوا أنهم «لن يوافقوا على القرار» لأنه لم يتم إطلاعهم على «ما الذي سيحدث بعد الضربة». «لم يخبرنا أحد عن الخطّة ب وسي ودي للهجوم المطروح، لذلك تبقى صورة ما سنفعله في سوريا مبهمة وضبابية..
لذلك لن نوافق عليها» قال الرافضون، وتمحورت النقاشات حول سؤال «ما الذي سيلي الضربة؟» أكثر من السؤال حول استخدام الأسلحة الكيميائية.
وكان النائب جيم ماكجفرن اقترح أول من أمس أن يسحب الرئيس أوباما طلبه قبل أن يرفضه الكونغرس، شارحاً أنه «لا يوجد تأييد كاف لهذا الطلب في المجلس التشريعي».
ولا توجد مؤشرات واضحة على أن أوباما قد يفكر في هذا الخيار، بل ظهرت بعض التكهنات بشأن إمكان أن ترجئ الادارة إجراء التصويت في الكونغرس حين لم يستبعد وزير الخارجية الاميركي في باريس العودة الى مجلس الامن لتأمين الحصول على قرار بشأن سوريا.
وفي ما يتعلق بنبض الشارع الأميركي، أظهرت أحدث استطلاعات الرأي أمس أن المواطنين الأميركيين يزدادون إصراراً على رفض خيار تنفيذ أي هجوم على سوريا حتى لو كان ضربة محدودة.
وبثّت قناة «سي إن إن» أمس آراء عيّنة من الأميركيين على مجموعة أسئلة طرحت بشأن قرار ضرب سوريا وجاء في النتائج: 59% من المستطلعين يقولون إنه «يجب على الكونغرس ألا يوافق على قرار الحرب» مقابل 39% يؤيدون قرار الحرب. 55% يعارضون ضرب أهداف سورية محددة بينما يؤيدها 43% من المستطلعين. 69% يرون أنه «ليس لدى الولايات المتحدة مصالح وطنية في التدخل في الأزمة السورية» مقابل 26% يرون العكس، بينما يعتقد 66% أن واشنطن «سترسل جنوداً الى سوريا بعد الهجوم» مقابل 32% لا يظنون ذلك.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)