بعد تصاعد اللهجة السياسية وحملات حشد الاصوات المؤيدة للهجوم الاميركي على سوريا، بدأ الحديث عن مدى «دقّة» المهمة الاميركية في سوريا ميدانياً الى حدّ وصفها لأول مرة بأنها «بالغة التعقيد». الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته صمّا آذانهما عن صوت المتخصصين العسكريين المحذّرين من صعوبة المهمة وعن صوت الشارع الاميركي الذي سجّل أعلى نسبة رفض لقرار الضربة العسكرية على سوريا (51% قالوا لا للهجوم). وبعدما ارتمى جون كيري في أحضان حلفائه العرب في اجتماع في باريس للحصول على دعمهم المعتاد، يتوجّه أوباما الى الإعلام الأميركي لاستكمال حملته الضاغطة على الرأي العام وعلى أعضاء «الكونغرس» قبيل توجيه خطابه الرسمي غداً. في المقابل، يظهر الرئيس بشار الأسد اليوم على شاشة «سي. بي. اس.» الأميركية مؤكداً عدم مسؤوليته عن استخدام أسلحة كيميائية في سوريا، وكاشفاً عن أنه «سيكون هناك رد من الحلفاء في حال شُن هجوم» على بلاده. ورأى الأسد، في مقابلة تبثها اليوم شبكة «سي. بي. اس.» وفي برنامج تشارلي روز الذي تذيعه شبكة «بي. بي. اس.»، «الأدلة على استخدام السلاح الكيميائي غير قاطعة»، متوقعاً أن العدوان على سوريا سيستهدف القوات السورية لتغيير موازين القوى.
وقال روز إنه التقى مع الأسد في دمشق، مشيراً إلى أن الأخير «لم يؤكد أو ينف امتلاك سوريا لأسلحة كيميائية، ولكن إذا كانت تمتلك مثل هذه الأسلحة فستكون خاضعة لسيطرة مركزية». ونقل روز عن الأسد قوله إن «الولايات المتحدة يجب أن تقدم الدليل على تورطه إذا كان لديها دليل». وأضاف أن الأسد أبلغه أن «سوريا مستعدة للهجوم بكل ما أوتيت من قوة»، مشيراً إلى أنه سأل الأسد عمّا إذا كان يخشى أن يسبّب الهجوم تقويض الجيش السوري والإخلال بميزان القوى في الحرب الأهلية المستمرة منذ سنتين ونصف السنة، فأبلغه الرئيس السوري أنه «قلق للغاية من ذلك». وبعث الأسد، في المقابلة، «رسالة إلى الشعب الأميركي بأنه يجب عليهم ألا يتورطوا في صراع جديد في الشرق الأوسط».
وفي السياق، كشفت مجلة «Bild am Sonntag» الألمانية نقلاً عن مصادر استخبارية في برلين أن «البحرية الالمانية رصدت اتصالات لاسلكية لضباط كبار في الجيش السوري طلبوا من القصر الرئاسي خلال الاشهر الأربعة الاخيرة السماح لهم باستخدام الاسلحة الكيميائية، الا أن الاسد رفض إعطاءهم الضوء الاخضر للقيام بمثل هذا الهجوم».
وسيجري أوباما ستّ مقابلات تلفزيونية اليوم مع شبكات «بي. بي. اس.» و«سي. إن. إن.» و«فوكس» و«سي. بي. اس.» و«إن. بي. سي.» و«إي. بي. سي.» ستذاع أثناء الفترات الإخبارية الخاصة بكل قناة مساءً.
ومن باريس، أكد وزير الخارجية جون كيري الذي اجتمع أمس مع وزراء عدد كبير من الدول العربية وجود إجماع على أن الرئيس بشار الاسد تجاوز «خطاً أحمر» باستخدام الاسلحة الكيميائية في سوريا. وقال كيري إن السعودية التي تمثّلت بوزير خارجيتها سعود الفيصل وقّعت على الدعوة التي أطلقتها الجمعة 12 من دول مجموعة العشرين لتوجيه «ردّ قوي» على استخدام الاسلحة الكيميائية، موضحاً أن دولاً عربية أخرى ستعلن موقفها في هذا الشأن قريباً. وقال كيري «الجميع فهموا جيداً أن القرار يجب أن يتخذ خلال الـ24 ساعة المقبلة».
وأضاف الوزير الاميركي، في تصريح للصحافيين مع وزير الخارجية القطري خالد العطية، «ناقشنا الإجراءات التي يمكن أن يتخذها المجتمع الدولي لمنع الرئيس السوري من تجاوز الخط الاحمر مجدداً»، وأضاف أن «النظام السوري استخدم أسلحة كيميائية 11 مرة على الاقل». وحول إمكان العودة الى مجلس الأمن قال كيري اليوم إن الولايات المتحدة «لم تستبعد إمكان العودة إلى مجلس الأمن للحصول على قرار بشأن سوريا بمجرد أن ينتهي مفتشو الأسلحة التابعون للأمم المتحدة من تقريرهم». لكنه أضاف أن أوباما «لم يتّخذ قراراً بعد بخصوص هذا الأمر».
من جهة أخرى، قال كبير موظفي البيت الابيض، دينيس ماكدونوف، لشبكة «سي. ان. ان.»، إن «المخاطر متعددة، أولها خطر الانجرار الى الحرب الأهلية الدائرة في الشرق الاوسط». وأضاف «علينا أن نكون حذرين للغاية، وأن تكون الضربات محددة جداً ومحدودة للغاية، حتى لا ننجر الى وسط ما يجري. وبالطبع هناك أيضاً خطر وجود رد فعل أو عمل انتقامي ضد أصدقائنا».
وفي خضمّ الحديث عن الاستعدادات السياسية للهجوم العسكري على سوريا، برزت بعض المقالات الاميركية أمس تتحدّث عن مدى صعوبة الضربة العسكرية من الناحية العملية. وقال بعض المحللين إن مهمة البحرية ستكون «دقيقة جداً»، ووصفها البعض للمرة الأولى بـالـ«شديدة التعقيد». وشرح هؤلاء أن على ضبّاط البحرية أن يعيّنوا أهدافاً داخل الاراضي السورية ويصيبوها «من دون المساس بعمق البرنامج» الكيميائي، وهو أمر «بالغ الدقّة»، خصوصاً أن الحديث عن الضربة في وقت باكر قد «أعطى الجيش السوري فرصة نقل معداته الى أماكن جديدة ومتفرّقة في البلاد». وقد ذكّرت بعض الصحف بلائحة الأهداف الموضوعة، مثل البنى التحتية للقوات الحربية، ومخازن الصواريخ، ومحيط وزارة الدفاع وغيرها من المواقع... «ستكون المهمة الأكثر تعقيداً في تاريخ البحرية الحديث»، قال إرنستو لوندونيو في مقاله في صحيفة «ذي واشنطن بوست».
وعلى الصعيد الأميركي الداخلي، توجّه النواب الاميركيون لمعرفة رأي ناخبيهم بقرار الهجوم على سوريا. وتبدو أسباب عدم السماح بتدخل عسكري في سوريا كثيرة لدى أعضاء الكونغرس، ومعظمها يمرّ عبر الناخبين في دوائر كل منهم.
وترافق قرار التصويت على سوريا داخل الكونغرس حسابات انتخابية داخلية، إذ يفترض أن يتم تجديد كل مقاعد مجلس النواب و35 من مقاعد مجلس الشيوخ في تشرين الثاني المقبل. وقال السيناتور الجمهوري السابق جون كيل إن «الانتخابات التمهيدية ستجري خلال أقل من عام، والمرشحون يراقبون قواعدهم وهم يتساءلون الآن عما إذا كان عليهم مواجهة مرشح آخر في حزبهم لأنهم وقفوا في صف الرئيس».
وقال مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة كاليفورنيا لاري ساباتو «لا تنسوا أنه مع التوزيع الانتخابي في المجلس أصبحت الدوائر متجانسة جداً، لذلك باتت الانتخابات المهمة هي الانتخابات التمهيدية».
شعبياً، تكشف استطلاعات الرأي الجديدة رفضاً متزايداً لشنّ ضربات ضد سوريا. وأفاد استطلاع أجراه معهد «غالوب» أن 51 في المئة من الاميركيين يعارضون ضربات في سوريا مقابل 36 في المئة يؤيدونها. بذلك تكون نسبة المعارضين للهجوم على سوريا أكبر من تلك التي سجلت قبل اندلاع حروب الخليج (1991) وكوسوفو (1999) وأفغانستان (2001) والعراق (2003).
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)