تُرى كيف ستكون ذكرى «ثورة الأرز» بعد أحد عشر عاماً على انطلاقتها؟ وبعيداً من توقّعات المنجّمين والفلكيين والمحلّلين، والمتمسّكين بذيول «السيادة والاستقلال والحرية»، أين أصبح أبرز قطبين سياسيين فيها؟ سعد الحريري قابع في «قلب» سليمان فرنجية. وسمير جعجع «لابِد» في «نوايا» العماد ميشال عون. أما مَن بقي من فريق الرابع عشر من آذار، فلا يكاد يجِد «مرقد عنزة» ليُقيم عليه مهرجان «البعث» لنفخ الروح في هذا الفريق. «طريق الثورة ليست مفروشة بالورود». تُجسّد هذه المقولة واقع 14 آذار تماماً. فلا «ثورتها» السلمية أزهرت ربيعاً في بيروت، ولا التحاقها بركب «اللحى» في سوريا أعلن أوان الورد في دمشق. جمهورها بقي يُحب الحياة. أما هي، كحركة سياسية، فقضى الموت على حيويتها الدافقة، بعد أن بدأت سنة 2005 كردّ فعل على اغتيال الرئيس رفيق الحريري واتهام النظام السوري وحزب الله بقتله، ووصل حالها عام 2016 منقسمة بين تيارين اثنين، كل منهما يُزكّي حليفي الحزب وسوريا لرئاسة الجمهورية. وبدلاً من أن يعبروا موحّدين نحو مشروع الدولة، اجتاز كل مكوّن فيها طريقاً منفرداً باتجاه فرط مشروع فريقه.
الحريري في «قلب» فرنجية وجعجع «لابِد» في «نوايا» عون

يجالس منسّق الأمانة العامة لفريق الرابع عشر من آذار النائب السابق فارس سعيد، زّوار مكتبه في الأشرفية. يحدّثهم همساً، مستمزجاً آراءهم في الخيارات المتاحة للقيام باحتفال «نبش أمجاد الماضي». لكنه سرعان ما يفاجأ بأن الانقسام حول الشكل والمضمون طاول الحزب الواحد والتيار الواحد، فبات في «المستقبل» رأيان، وفي القوات «ثلاثة» وفي الكتائب «لا رأي»! أبرز الأفكار التي رماها ممثلو الأحزاب والتيارات في «صندوق الأمانة»، وجهتا نظر. تحذّر الأولى من «خطورة القيام بمهرجان حاشد في البيال، كما في كل عام، نظراً إلى الانقسام الحاد بين المكونات»، و«لعدم تكرار المشهد الذي حصل في ذكرى اغتيال الرئيس الحريري، وأثر سلباً بمسار العلاقة بين المستقبل والقوات، وزاد من حدّة التوتر وكشف عن عمق الشرخ بينهما». ويقترح هؤلاء أن «تكون هذه المناسبة محطّة يتحدّث فيها كل قطب من عرينه. وبدل أن يكون هناك منبر واحد في البيال، تتوزّع المنابر بين معراب ووادي أبو جميل وبكفيا وحتى الأمانة العامة»، على أن تجمعهم «خطوة النزول إلى الضريح لوضع أكاليل من الزهر». أما وجهة النظر المُقابلة، فتُفضّل «تحييد الخلاف وإقامة ذكرى جامعة كما في كل عام، إما في البيال أو في فندق البريستول». وبين وجهتي النظر لا ثابت سوى أنه، قبل ثلاثة أيام من تاريخ الذكرى، «لا دعوات وزّعت، ولا صالات حُجزت، ولا كلمات تقرّرت، باستثناء كلمة لسعيد منسوخة عن البيانات البائدة في أدراج مكتبه»، مضمونها: «تلخيص سريع لمسيرة ثورة الأرز. التمسك بمبادئها وثوابتها. تأكيد الاستمرار بدعمها مهما بلغت المشاكل. انتقاد بعض الارتكابات التي أسهمت في إضعافها، وفي قمّتها ترشيح كل من عون وفرنجية إلى الرئاسة».
لا يتوقّع بأي حال من الأحوال، أن يعود فريق 14 آذار، على أعتاب ذكراه الحادية عشرة، كياناً سياسياً موحداً ومتضامناً. باتت هذه الحركة التي جمعها العداء لسوريا وحزب الله، صورة عن قرنة شهوان مطعّمة بمكونات إسلامية، لم يعُد يذكر منها اللبنانيون إلا اسمها. بصريح العبارة، ماتت 14 آذار، لكن مراسم دفنها لا تزال مؤجَّلة!