اعطى مكتب الرئيس الاميركي باراك اوباما امس، اشارتين متناقضتين، واحدة تقول بأن لا دليل بعد على مسؤولية النظام في سوريا عن القصف الكيميائي في الغوطة، وثانية تقول بأن الضربة العسكرية شبه حاصلة وهي لن تكون على شكل حرب بل عملية عسكرية محدودة.
في المقابل، برزت مؤشرات جديدة. ابرزها الكلام الروسي الحاسم الرافض لأي عدوان، وارسال قطع عسكرية جديدة الى المتوسط، وصدور سلسلة مواقف من جانب قيادات سياسية وعسكرية ايرانية تحذر من ان العدوان على سوريا سوف يشعل حربا كبيرة. كذلك، اعلان حزب الله الاستنفار العام في كل وحداته العسكرية المنتشرة في كل المناطق. علما ان لحزب الله وحدات قتالية موجودة الان داخل الاراضي السورية.
والبارز سورياً، ظهور جديد للرئيس السوري بشار الأسد، و تأكيده أمس أنّ سوريا ستدافع عن نفسها ضدّ أي عدوان، مشيراً إلى أن التهديدات بشنّ عدوان مباشر على سوريا ستزيدها تمسكاً بمبادئها الراسخة وبقرارها المستقل النابع من إرادة شعبها. وقال، في كلمة له أمام وفد ضم عدداً من قيادات الأحزاب ونواب البرلمان في اليمن، إنّ «سوريا بشعبها الصامد وجيشها الباسل ماضية ومصممة على القضاء على الارهاب الذي سخرته وتدعمه إسرائيل ودول غربية خدمة لمصالحها المتمثلة بتقسيم المنطقة وتفتيت واخضاع شعبها».
وإذ لفت الأسد إلى أن «نهوض الوعي الشعبي على الساحة العربية عنصر أساسي في مواجهة المخططات التي تستهدف المنطقة»، لفت إلى أن «الشعوب هي الصانع الحقيقي للعلاقات بين الدول وأن الحالة الشعبية هي الضامن للانتصار وهو ما يحدث في سوريا».
تأكيدات الأسد تأتي مع تعزيز الحشود العسكرية في المنطقة، حيث أرسلت واشنطن مدمرة خامسة إلى المتوسط، ولندن ست طائرات «تيفون» إلى قبرص، فيما أنهى الجيش الفرنسي استعداداته لتدخل محتمل وأرسل الفرقاطة «شيفاليه بول» الحديثة لتنضم إلى جوقة قارعي طبول الحرب، أما تركيا فقد وضعت وحدات قوات الدفاع الجوي المنتشرة قرب الحدود مع سوريا في حالة تأهب. وتم توجيه المنظومات الصاروخية والرادارات في ولاية هاتاي نحو الأراضي السورية. وذكرت وكالة «إخلاص» التركية أن هذا الإجراء جاء على خلفية مخاوف من التهديدات المحتملة من قبل سوريا في حال توجيه الدول الغربية لضربة صاروخية على مواقع الجيش السوري. بدوره، واصل الجيش الأردني تعزيز تواجده بشكل ملحوظ عند الحدود مع سوريا، بينما نقلت «إنترفاكس» الروسية عن مصدر في القوات المسلحة الروسية تأكيد موسكو أنها سترسل سفينة مضادة للغواصات وطراد الصواريخ الى البحر المتوسط.
وذكرت مصادر مطلعة في سوريا أن بعثة الأمم المتحدة، بمن فيها مساعد الأخضر الإبراهيمي السفير مختار لاماني وفريقه، إضافة إلى فريق المفتشين الدوليين في قضية الأسلحة الكيميائية، تبلغوا قراراً ببدء عملية مغادرة فورية لهذا البلد. وقالت المصادر إن قسماً من فريق المحققين وموظفين آخرين من المنظمة الدولية بدأوا مساء أمس الانتقال إلى لبنان، مشيرة إلى أنه تقرر مغادرة الجميع خلال 24 ساعة وألا يبقى في سوريا إلا لاماني وفريق صغير من المساعدين.
وقال مصدر قريب من البعثة الأممية إن أحد الأسباب التي عجلت بالقرار وصول برقيات عاجلة حول تأكيدات بأن الضربة حاصلة وهي وشيكة، برغم كل النقاشات السياسية الحاصلة. وأشار المصدر إلى أن عنصرا اضافيا تمثل في سماع أعضاء من فرقة التحقيق الدولية معلومات مصدرها المجمعات المسلحة المتواجدة في الغوطة الشرقية وريف دمشق تضمنت نصيحة بالمغادرة السريعة. ونقل عن المسلحين أنهم سوف يطلقون عملية عسكرية واسعة بالتزامن مع الضربة الأميركية، وأنهم يعدّون لعملية قصف تشمل مواقع كثيرة داخل العاصمة السورية.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت أن الفريق الدولي للتفتيش عن الأسلحة الكيماوية في سوريا سيواصل تحقيقاته حتى اليوم الجمعة وأنه يعتزم مغادرة البلاد صباح غد السبت وسيبلغونه بتقرير عن الوضع، على أن يعود بعد تقديم تقريره في نيويورك في 1 و 2 أيلول.
هذا في العسكر، أما في السياسة فيبدو وكأن هناك اتجاهاً لتأجيل الضربة، أو على الأقل معوقات أمام تنفيذها، عير عنها رئيس الوزراء البريطاني دايفد كاميرون الذي كرر أمس معزوفة «أننا لا نريد تغيير النظام في سوريا»، و«لن نتحرك عسكرياً ضد النظام في سوريا قبل الاطلاع على تقرير فريق المحققين الدوليين في سوريا»، لافتا إلى أنه «يجب الضغط على الاسد من أجل التفاوض السياسي».
وفي وقت لاحق أمس، خسر رئيس الوزراء البريطاني، تصويتاً رمزياً في البرلمان على عمل عسكري ضد سوريا بغالبية 285 صوتاً مقابل 272، وتعهد بعدم تخطي البرلمان بشأن عمل كهذا بعد خسارة التصويت. واضاف أنه يدرك شكوك الرأي العام والبرلمان تجاه العمل العسكري وسيتصرف على ضوء ذلك.
أكد زعيم حزب العمال ادوارد ميلباند رفض المعارضة البريطانية لـ«الحل العسكري ضد سوريا»، معتبراً أنه «يجب انتظار تقرير المفتشين الدوليين في سوريا قبل اتخاذ أي قرار بالتدخل العسكري»، حتى بالرغم من تبرير النائب العام البريطاني دومينيك غرين في النصيحة القانونية التي قدّمها للحكومة البريطانية، العمل العسكري في سوريا من دون موافقة الأمم المتحدة، معتبراً أنه لـ«أسباب إنسانية».
حتى في واشنطن، يبدو الحديث الطاغي عن أن الرئيس أوباما لم يحسم بعد خياره حيال سوريا، مع التأكيد على أن «هدفنا هو الرد على استخدام السلاح الكيماوي في سوريا وليس القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق»، وأن «ما من ادلة دامغة حتى الآن على تورط نظام الاسد في استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة»، حتى ولو سُمعت جمل من نوع أن الرئيس «سيذهب الى العملية العسكرية ضد الرئيس السوري بشار الاسد حتى بدون موافقة الكونغرس» الذي بات واضحا أنه يشهد حراكا معارضا لتلك الضربة.
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لعب على النغم نفسه. شدد على وجوب عدم ادخار أي جهد من أجل التوصل إلى حل سياسي في سوريا لن يتم التوصل إليه «إلا في حال تمكن المعارضة السورية من الظهور كبديل قوي متمتع بالقوة الضرورية، وبخاصة من خلال جيشه».
وكانت الحكومة الفرنسية قد رأت أن التحرك العسكري ضد سوريا ليس هدفه فقط معاقبة دمشق وإنما لايجاد مخرج للأزمة السورية. ولفتت إلى أنه «في ظل الموقفين الروسي والصيني في مجلس الامن تبدو المسألة معقدة، لذلك ندرس الخيارات الاخرى».
في المقابل، اكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل على اهمية دراسة مجلس الامن لتقرير البعثة الاممية إلى سوريا وأن الحل لن يكون الا سياسياً، فيما حذر قائد قوات الإنزال الجوي الروسية فلاديمير شامانوف من أن ضرب سوريا سيؤدي إلى ظهور نقطة ساخنة جديدة على خريطة العالم مثل العراق أو أفغانستان. وأعرب شامانوف عن اعتقاده بأن مستوى كفاءة القوات الخاصة السورية مرتفع. أما الصين فـ«تراقب آخر تطورات الوضع في سوريا عن كثب»، محذرة من أن التدخل العسكري المزعوم سينشر الفوضى في الشرق الأوسط.
وعقد مندوبو الدول الخمس في مجلس الأمن الدولي اجتماعا عاجلا مساء الخميس، بدعوة من روسيا لمناقشة الأزمة السورية الراهنة وسبل إيجاد حل سياسي لها، من دون ردم الفجوة في المواقف.
وفيما أعربت الدنمارك عن جهوزيتها لدعم ضربة عسكرية لسوريا من خارج إطار الأمم المتحدة، أكدت كندا أنها لا تنوي المشاركة في أي عمل عسكري محتمل، معلنة أنها تؤيد الضربة الاميركية لسوريا، بينما أكّد البابا فرنسيس الأول والملك الأردني عبد الثاني أن «الحوار هو الخيار الوحيد لإنهاء الصراع في سوريا».. بينما رأت إيطاليا أن «السبيل الحقيقي الوحيد لحل هيكلي في سوريا هو التمكن من التوصّل إلى نوع من حل سياسي توافقي»، في وقت أكدت فيه بلجيكا أن الحديث يدور عن عملية عسكرية محددة ستستمر «بضع ساعات أو أيام»، مشددة على ضرورة أن تتخذ الخطوات ضد سوريا عبر مجلس الأمن الدولي. الموقف نفسه عبرت عنه جنوب إفريقيا.
عربيا، واصلت الديبلوماسية السعودية حشد الدعم للضربة، واعلان الكويت وجوب محاسبة من يرتكب الجرائم. مقابل تمسك بغداد والقاهرة بموقفهما الرافض للضربة.





مشروع قرار سعودي

حصلت «الأخبار» على مسودة مشروع قرار وضعته السعودية يستهدف سوريا وحزب الله بشأن استخدام السلاح الكيميائي وتدهور وضع حقوق الإنسان في سوريا. هذا المشروع لا يزال قيد الإعداد لكي يطرح على الدول الـ193 الأعضاء لإقراره في الجمعية العامة والبناء عليه. في أهم بنوده يعبر عن الغضب من وقوع أكثر من مئة ألف ضحية في سوريا ويعبر عن قلقه البالغ لمواصلة انتهاك حقوق الإنسان على نطاق واسع في سوريا باستخدام الغارات الجوية على التجمعات السكنية من قبل السلطات السورية حسب ما ورد فيه. كما يحتج على استهداف الأطفال بالعمليات العسكرية الحكومية، ويدين بأشد العبارات استخدام السلاح الكيميائي من قبل السلطات السورية دون الاستناد إلى نتائج أي تحقيق. ويطلب من السلطات التعاون التام غير المشروط مع فريق التحقيق للتفتيش والتحري بحرّية تامة على كامل التراب السوري. ويدين الانتهاكات لحقوق الإنسان من أي طرف كان. لكنه يؤكد أن الانتهاكات من جانب القوات الحكومية تبقى أعنف وأوسع نطاقا. كما يدين التدخل الخارجي من قبل المقاتلين الأجانب، بما في ذلك وبشكل خاص من قبل مقاتلي حزب الله. ويعرب عن القلق من أنّ تدخلهم يفاقم مستوى تردي حقوق الإنسان، ويحذر من ارتداداته السلبية على المنطقة. وفي الختام، مشروع القرار الذي لا يتمتع في نصه الإنكليزي بالمهنية المعهودة في وضع مشاريع القرارات، يدعو السلطات السورية إلى تسهيل عمل منظمات الإغاثة في كافة أنحاء البلاد والسماح بإيصال المساعدات عبر ممرات حدودية مختلفة بما فيها تلك التي لا تخضع لسلطة الدولة.