في ثاني انفجار يهزّ ضاحية بيروت الجنوبية وتحديداً منطقة الرويس بعد التفجير الذي وقع في بئر العبد في 9 تموز (يوليو)، كان مشهد التغطية الإعلامية للقنوات اللبنانية مغايراً لما سبق في طريقة التعاطي مع حدث مماثل ذي بعد أمني وسياسي حساس في ظل أتون نار يشتعل إقليمياً ودولياً.
المشهد بدا تضامنياً أول من أمس، نأى عن الانقسام والاصطفافات المعهودة لدى هذه القنوات. لحظة دوّي الانفجار الذي أصاب منطقة تجارية وشعبية مكتظة بعد ظهر الخميس، كانت الأخبار العاجلة تتلاحق على الشاشات وبقي الانتظار سيد الموقف لنقل الصورة التي تأخرت نظراً إلى صعوبة الوصول بسبب الاكتظاظ البشري وجغرافية تقاطع منطقة الرويس الضيقة.
في هذه الأوقات، استعيض عن الصور المباشرة الحية بأخرى بعثها الى المراسلين، ناشطون وأفراد كانوا متواجدين هناك. كشفت هذه الصور هول التفجير وضراوة النيران وأعطت انطباعاً حتمياً بوقوع ضحايا بشرية وخسائر في الممتلكات. بقيت العين على «المنار» (التي لم تتأخر عن التغطية) لنقل ما تبثه من صور ومعلومات وسرعان ما عمّمت شاشتها على مختلف القنوات المحلية والفضائية كما حصل في تفجير بئر العبد، فنقلت الصور الأولية من مكان الانفجار. لاحقاً، ظهر مراسلوها من هناك لنقل المشاهدات والانطباعات، خصوصاً لجهة متابعة أحوال الجرحى والمصابين في مختلف المستشفيات المجاورة. وقد أعطيت «المنار» الحق الحصري بالتصوير في الداخل فيما مُنعت باقي القنوات من إدخال كاميراتها تفادياً لإحداث المزيد من «الضعضعة» ولإفساح المجال لإجلاء المصابين كما برّرت القنوات الأخرى.
«الجديد» بدوره سارع الى تغطية الحدث. كان التركيز في البداية على نفي أن يكون التفجير استهدف شخصية من «حزب الله» ليفتح الهواء في ما بعد أمام المسؤولين وأهل الساسة الذين تنقلوا بين الشاشات مستنكرين الحادثة وداعين الى الوحدة بين اللبنانيين.
كثير من أسماء هؤلاء من المعسكرين السياسيين 8 و 14 آذار تداعوا الى الظهور بشكل مباشر على الشاشات أو على الهاتف لتسجيل مواقفهم المتضامنة مع أهالي الضحايا. وكان التركيز على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية تلجم هذا الإرهاب الحاصل. لكن بعض الأصوات وتحديداً من تيار «المستقبل» أمثال مصطفى علوش ومعين المرعبي استُدرجت من قبل الصحافيين الى تبنّي مصطلحات تبرّر الجريمة كما حدث مع النائب هادي حبيش الذي قال إنّ الانفجار تقع مسؤوليته على «حزب الله» بسبب تورطه في الأتون السوري مرفقاً بزلّة لسان وصفت العملية الانتحارية بـ«الاستشهادية».
مصطلحات كثيرة تكون غالباً محط جدل وحرج تطايرت من هذه الشاشات في توصيف للضحايا بين «شهداء» و«قتلى» لترسو أخيراً على اعتماد كلمة «الشهداء» في أغلبية المنابر الإعلامية. واللافت في هذا التضامن الوطني الإعلامي التزام القنوات المناوئة لـ«حزب الله» كـ mtv و«المستقبل» ضبطاً لا مثيل له، وتغطية مستمرة قسمت الشاشة بين صور تبث من مكان الحادث وبين الاستديو، حيث الضيف المعلق على الحدث. أظهرت هاتان القناتان مسؤولية عالية في التعاطي والمقاربة وحيّدت التسييس إلى درجة بانتا فيها كأنّهما لا تفرقان بشيء عن «المنار»، فعنونت قناة المر تغطيتها بسؤال: «كيف سيصمد لبنان في وجه الإرهاب في حادثة تفجير الرويس». وأرفقت السؤال على صفحتها الفايسبوكية بصور للتفجير تحت عنوان «يد الإجرام في الضاحية» مع تساؤل: «إلى متى سيبقى لبنان أرضاً خصبة للإجرام والعنف؟». بدورها، واكبت otv التفجير وربطت في مقدمة نشرتها الإخبارية أول من أمس بين عملية «اللبونة» التي تبناها «حزب الله» على لسان أمينه العام في مقابلته الأخيرة على «الميادين»، وبين تفجير الرويس ولمحت الى ما سمتهم «أفرقاء الداخل» الذين «يفركون أياديهم ويوزعون الابتسامات الصفراء» في إشارة إلى فريق 14 آذار.
وفي اليوم الثاني للتفجير أي أمس، واكبت القنوات الحدث، فأصبحت برامجها الصباحية المعتادة منبراً للساسة وللمحللين مع نقل مباشر لمراسليها في الميدان وبين المستشفيات ومكان التفجير للوقوف على آخر المستجدات، كما نقلت مواقف السياسيين ورجال الدين والأمنيين الذين تفقدوا المكان و«استعرضوا» مختلف استنكاراتهم.