القاهرة ــ الأخبار «(قضي الأمر الذي فيه تستفتيان)، صدق الله العظيم، ونسألكم الدعاء»، هكذا أعلن الجهاز الإعلامي لوزارة الداخلية بدء تنفيذ مخطط فضّ اعتصامات انصار الرئيس المعزول محمد مرسي، في إشارة إلى «رابعة العدوية» و«النهضة» في تمام الساعة السادسة والنصف من صباح أمس. كانت قيادة الجيش، القائد الفعلي للبلاد، قد حسمت خيارها، وقرّرت المضي قدماً في الحلّ الأمني، رغم معارضة المجتمع الدولي، ورغم تداعيات مثل هذا الخيار على السلم الأهلي في مصر.

الأرقام الأولية لضحايا هذا الخيار راوحت بين مئات القتلى بينهم العشرات من عناصر الشرطة والضباط، وفق رواية الجيش، والآلاف، وفق رواية جماعة «الإخوان المسلمين»، بينهم ابنة القيادي محمد البلتاجي، وابنة خيرت الشاطر وزوجها. بدأت القوى الأمنية تنفيذ خطتها بالحصار وقطع الطرقات وإيقاق حركة القطارات ووسائل النقل. الخطوة التالية كانت إعلان حالة الطوارئ من قبل الرئاسة المؤقتة لمدة شهر.
وعمّت حالة من الرعب والفوضى في أركان القاهرة والمحافظات، وتواصلت الاشتباكات طوال ساعات النهار، وامتدت إلى الليل. كان ميدان «النهضة» أول من أعلنت الداخلية فضّه، قبل أن تفضّ تجمع مصطفى محمود، الذي عاد أنصار «الإخوان» إليه مرّة وثانية قبل أن تعاود القوى الأمنية فضّه. ثم تابعت الفضّ إلى «رابعة»، حيث وقعت أكثر الاشتبكات دموية. وانتفض «الإخوان» في المحافظات المصرية، حيث خرجوا بمسيرات واجهتها القوى الأمنية بيد من حديد. أما في الإسكندرية، فكانت الاشتباكات على أشدها، وحاول «الإخوان» اقتحام المكتبة التاريخية وتخريب محتوياتها، قبل أن تحيطها القوى الأمنية بتعزيزات. يومٌ دامٍ بامتياز، لم ينته عند منتصف ليل أمس، ولا يمكن توقع متى سينتهي هذا الليل الحالك، غير أن المؤكّد أنه خلف شرخاً أهلياً، ومهّد لعنف وحنق مضاد أشدّ لؤماً لجماعة «الإخوان».
وبعد إطلاق صفارة البداية، بدأت القوات الأمنية بإغلاق شارع مراد والشوارع المؤدية إلى اعتصام ميدان «النهضة» بالأسلاك الشائكة، فيما أكد مصدر أمني أن قوات الشرطة ستقوم بمحاصرة اعتصام «رابعة العدوية» و«النهضة» وستترك منفذاً واحداً للخروج الآمن دون التعرض لمن يخرج شرط أن يكون غير حامل للسلاح أو مطلوب في قضايا.
وبُعيد العصر، أُعلنت السيطرة التامة على ميدان «رابعة»، وشوهدت مغادرة جماعية للمعتصمين من أمام مدرعات الجيش، بعدما أعلنت الداخلية تأمين خروج آمن لهم، قبل أن تحاصر مسجد «رابعة»، حيث يفترض أن يكون قيادات الجماعة متحصنين، لتنتشر بعدها أنباء عن اعتقال 8 قيادات، بينهم محمد البتاجي وعصام العريان وصفوت حجازي، ونفي هذا الأمر، قبل أن يحسمها وزير الداخلية بمؤتمره الصحافي بإعلانه أن العريان والبلتاجي لم يعتقلا.
وفي سياق الخطة الأمنية واستحكامها، أصدر رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور، بعد موافقة مجلس الوزراء، قراراً بإعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء الجمهورية لمدة شهر، وكلف القوات المسلحة معاونة هيئة الشرطة في اتخاذ كل ما يلزم لحفظ الأمن والنظام وحماية المُمتلكات العامة والخاصة وأرواح المواطنين.
وفي وقت لاحق، أصدرت القوات المسلحة بياناً طالبت فيه جميع المواطنين بـ«التزام إجراءات حظر التجوال بمحافظات القاهرة، الجيزة، الاسكندرية، القليوبية السويس، البحيرة، الفيوم، بني سويف، المنيا، اسيوط سوهاج، شمال سيناء، جنوب سيناء، الإسماعيلية مع التزام عدم مخالفة الاجراءات المصاحبة التي تتضمن التزام التوقف التام عن سير الافراد او المركبات او التحرك بأي وسيلة في مناطق وتوقيتات حظر التجوال».
وفي ساعات المساء، حاول وزير الداخلية في مؤتمر صحافي أن يبين حرص القوات الأمنية على الأرواح وضبطها للنفس في وجه اعتداءات المعتصمين، وقال إن التعليمات كانت واضحة بعدم استخدام أي أسلحة في عملية فضّ الاعتصامات والاكتفاء بقنابل الغاز ومناشدة المعتصمين الخروج الآمن عبر مكبرات الصوت.
وأضاف أن مجلس الدفاع الوطني حدد صباح اليوم (أمس) للبدء في التنفيذ، وعند انتقال القوات للمواقع فوجئت بأعداد من المعتصمين بدأت في إطلاق الأعيرة النارية باتجاه القوات التي أصرت على أقصى درجات ضبط النفس.
وقال إن القوات عثرت في ميدان «النهضة» على 29 بندقية خرطوش و6 قنابل يدوية و55 زجاجة «مولوتوف» وكميات من القمصان الواقية والأسلحة البيضاء.
وحول الضحايا، قال: «سقط في المواجهات 43 شهيد شرطة (منهم 18 ضابطاً، بعضهم في مركز كرداسة الذي استُهدف بطلقات أر بي جي، 15 فرداً 9 مجندين وموظف مدني) وأُصيب 211 رجل أمن العديد منهم في حالة حرجة». وأضاف بنبرة خافتة أنه جرى التمثيل ببعض الجثث. وأشار الى سقوط «149 مدنياً في جميع أنحاء الجمهورية، وتمكن الإخوان وأنصارهم من اقتحام 21 قسماً ومركزاً و7 كنائس واقتحموا دوراً أرضياً بوزارة المالية ومجمع المحاكم في محافظة الإسماعيلية».
بدورها، أعلنت حكومة حازم الببلاوي أن «بعد الاطلاع على قرار رئيس الجمهورية بشأن إعلان حالة الطوارئ، ونظراً إلى الظروف الأمنية الخطيرة التي تمرّ بها البلاد، أصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً بإعلان حظر التجوال في نطاق مُحافظات وذلك طوال مدة إعلان حالة الطوارئ من الساعة السابعة مساءً وحتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي أو لحين إشعار آخر، على أن يُعاقب بالسجن كل من يُخالف تلك الأوامر».
ورأى الببلاوي أن «اليوم (أمس) كان عصيباً، وأن الفترة الماضية اضطرت الحكومة أن تأخذ قرار فض الاعتصام الذي لم يكن سهلاً»، وأضاف أنه كلف وزارة الداخلية اتخاذ كافة ما يلزم لإعادة الأمن إلى الشارع بما يتوافق مع الدستور والقانون.
من جهته، علق الأنبا رافائيل، سكرتير المجمع المقدس، على حرق 6 كنائس بالمحافظات بالقول: «لن ترهبنا هذه الاعتداءات ولن تقتلع حبنا لمصر ونقابل هذه الاعتداءات بالصلاة من أجل سلام الوطن، فلو كان ثمن استرداد مصر من أعدائها حرق الكنائس وقتل الأقباط فلن نتأخر في سبيل البلاد».