بعد أقل من ساعة على بدء عملية فضّ اعتصامي أنصار محمد مرسي بالقاهرة، وصل عدد الضحايا عبر قناة «أحرار 25» إلى 200 شخص، والجرحى تخطوا حاجز 9 الآف شخص. بعد 3 ساعات من بدء الفضّ لم تعد القناة، التي انطلقت بعد سقوط الرئيس محمد مرسي لتكون بديلة لقناة «مصر 25»، تهتم برصد الضحايا والجرحى؛ لأن أرقامها المبالغ فيها بدأت تؤتي نتائج عكسية. لم يكن داخل اعتصام رابعة العدوية 9 آلاف شخص أصلاً حتى يتعرضوا جميعاً للإصابة.
رسائل «أحرار 25» كانت موجهة بالطبع إلى المتعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين بهدف شحنهم للنزول إلى الشارع وبدء عمليات كر وفر واعتداء على أقسام الشرطة ومنشآت الدولة والكنائس في كل أنحاء مصر تقريباً. قناة «الجزيرة» سارت على النهج نفسه. فيما كان عدد الضحايا على «أحرار 25» يصل إلى 50 ضحية، كانت «الجزيرة» تقول إنهم 30. يزيد العدد إلى 70 على القناة الأولى، فيزيد إلى 50 على الثانية، وهكذا من دون أن يذكر أحد مصادر قادرة أصلاً على إحصاء الضحايا وسط كل هذا العنف من الجانبين، قوات الشرطة والجيش من ناحية والمعتصمين الذين رفضوا الخروج الآمن من ناحية أخرى.
بعد نحو خمس ساعات من بدء الأحداث، كانت أرقام وزارة الصحة الرسمية تشير إلى أن عدد الضحايا لا يزيد على 55 حالة وفاة و526 مصاباً، وارتفع الرقم تدريجاً بمرور الوقت، لكنه لم يصل إلى الرقم الذي أعلنته «أحرار 25» مبكراً بكل تأكيد، فيما القنوات المصرية الخاصة تركز على ضحايا الشرطة المصرية التي وصل عدد مصابيها حتى مساء الأربعاء إلى 9 قتلى و75 مصاباً.
كما كان متوقعاً، انقسمت الشاشات، «الجزيرة» و«القدس» و«الأقصى» و«أحرار 25» في صف الإخوان، والقنوات المصرية الرسمية والخاصة في صف النظام الحالي الذي اتخذ قرار الفض المنتظر من غالبية المصريين بعد قرابة خمسين يوماً على بدء الاعتصام. التغطية في قنوات الإخوان ركزت على الشحن العاطفي. قناة «أحرار 25» لم تتوقف عن بث الأدعية والخطب الدينية الحماسية. «الجزيرة» حاولت أن تستعيد قدراً من حياديتها المفقودة، لكنها لم تسلم من انتقادات الغاضبين من أدائها. حتى هؤلاء الغاضبون لم يتركوا أداء القنوات المصرية الخاصة دون تقويم. الإعلامية أماني الخياط في قناة «أون تي في» نالت قدراً كبيراً من الانتقاد بسبب ما وصفه المعلقون بأدائها التحريضي المبالغ فيه وشحنها للمواطنين للنزول والتصدي للإخوان. فيما جاء مقطع الدفع بمدرعة شرطة بمن فيها من جنود من أعلى جسر 6 أكتوبر في وسط المدينة ليعطي للقنوات الخاصة مادة تستطيع أن تثبت بها بسهولة حجم العنف الذي يقوم بها أنصار الإخوان في الشوارع. التعاطف معهم بات مستحيلاً بعد هذه اللقطات، أضيف إليها لقطات أخرى نقلتها القنوات المصرية عبر موقع اليوم السابع لمسلحين تابعين للإخوان المسلمين يطلقون النار من بنادق آلية في شارع جامعة الدول العربية بضاحية المهندسين.
رسالة كلا الطرفين كانت واضحة، قنوات الإخوان تشبه المعتصمين بأهل غزة والجيش المصري بجيش الاحتلال الإسرائيلي. القنوات المصرية تؤكد أن العنف والفوضى صناعة إخوانية لم يعد من الممكن التخلص منها دون مواجهة مسلحة. قناة «أون تي في» انفردت بلقطات استخراج صناديق أسلحة وذخيرة من خيام في اعتصام النهضة في مدينة الجيزة، منتسبو الإخوان اعتبروها ملفقة. الإعلاميون والمراسلون أكدوا أنها كانت بالفعل داخل الخيام ولم تحضرها الشرطة معها لتصويرها بالكاميرات فور فض الاعتصام.
القنوات الخاصة في مصر علمت بخبر فضّ الاعتصام قبل الجميع. المؤشر لذلك وجود كاميراتها مبكراً في مواقع الأحداث، رغم أنها لم تكن تقدم أي تغطية يومية من قبل. لكن التجوال بالكاميرات بحرية داخل اعتصام النهضة لم يتكرر في اعتصام رابعة. أولاً بسبب العنف الشديد هناك، وثانياً لأن قوات وزارة الداخلية صادرت كاميرات قنوات «أون تي في» و«سي بي سي» و«النهار» لعدة ساعات. قرار فسره المتحدث باسم الوزارة عبد الفتاح عثمان بأن هدفه حماية المصورين والصحافيين.
لكن على الأرض لم تكن تلك الحماية موجودة، وخصوصاً للصحافيين والمصورين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين. حتى مساء أمس تأكد خبر وفاة آية عبد العزيز مراسلة جريدة «غلف نيوز» الإماراتية وصهيب سعد مصور حر، وإصابة عمار جمعة، وجميعهم من الذين كانوا يغطون الاعتصام مهنياً وإيماناً بمبادئه في الوقت نفسه، فيما لقي مايكل دوغلاس، مصور قناة «سكاي نيوز» (59 سنة) مصرعه بطلق ناري في محيط اعتصام رابعة العدوية. واختفى بعض المصورين المصريين لفترات طويلة، منهم علاء القمحاوي من «المصري اليوم» وأسماء وجيه من «رويترز»، قبل أن يعاودوا الظهور مجدداً.