لم يكد ينتهي كأس العالم في العام 2006، حتى اندلعت حرب تموز. لم تجد آديرا، العاملة السيرلنكية، فارقاً بين الحدثين. كلاهما حرمها النوم. قالت ذلك بكل براءة، في معرض الشكوى من قلة النوم التي عانتها على مدى شهرين متواصلين. المفرقعات التي كانت تنطلق كلّ منتصف ليل إثر فوز إحدى الدول بالمباراة، تصدر أصوات الصواريخ نفسها التي كانت اسرائيل ترميها على اللبنانيين.
لم تتردّد في اتخاذ قرارها بعدم تجديد عقد عملها في لبنان. « أريد العودة إلى سيرلنكا، في القرية عندنا يمكنني النوم» قالت... وفعلت.
تيغي، الاثيوبية، قدمت حديثاً إلى لبنان. لم تفهم بعد أن ما يحرمها النوم كلّ مساء هو طلاب نجحوا في امتحاناتهم . ربما كانت تعتقد أن طقس لبنان المعتدل، يترافق مع هذه الأصوات التي تنتجها المفرقعات. تراها تستيقظ عند منتصف الليل، تخرج إلى الشرفة، تضع رأسها بين يديها وتنتظر الهدوء... الذي لا يأتي.
لم تتعوّد الفتاتان على الضجة. فبخلاف الشائع، تؤكد الدراسات أن جسد الإنسان لا يمكنه التأقلم مع الضوضاء، إذ تبقى الأعصاب مشدودة طيلة فترة خضوع الإنسان للمؤثرات الصوتية، ولا ترتخي إلا بتوقفها. وهذا ليس الضرر الصحي الوحيد الذي تحدثه، فهي تسبب أيضاً سرعة في دقات القلب، ارتفاعاً في ضغط الدم، مشاكل في الجهازين العصبي والهضمي، كما تؤثر في بعض الحالات على النظر وحقل الرؤية.
الهدوء ليس ترفاً إذاً. هو استثمار في الصحة بالدرجة الأولى. وهذا ما يجعلنا نفهم سبب الاهتمام الكبير بالتلوّث الصوتي الذي بات يعدّ الأول في العالم. لكن الغريب في الأمر، أن التلوّث الصوتي في لبنان يتجاوز المنطق. هو ليس ناجماً عن ازدحام سير يومي، عن أبواق السيارات، ومولّدات الكهرباء، ومشاحنات المواطنين... كلّ هذا يمكن فهمه. لكن أن تكون المفرقعات يومية؟ فهذا ما يجعل آديرا وتيغي، وغيرهما من الأجانب الذين يقصدون لبنان للعيش فيه، مدهوشين. نعم، يدهشهم لبنان، لكن ليس بسبب الأرزة الخضراء ولا تزاوج الشادور مع المايوه، ولا حتى جمال هيفاء وهبة. يدهشهم أن اللبنانيين يكادون يكونون الوحيدين الذين يطلقون على الألعاب النارية اسم «فرقيع» أو «مفرقعات». هذه الألعاب الجميلة، التي تقام لها مسابقات دولية في العالم، ولا تشتعل إلا في الأعياد الوطنية، لا تستخدم هنا إلا لإثارة الضجة. يندر أن نجد من يعطي نفسه وقتاً ليتأملها، ليحصي الألوان التي تخرج منها، أو الأشكال التي ترسمها في السماء. المهم هو أن تشتعل في منتصف الطريق، تصيب المارّة أو السيارات، وتصدر ذلك الصوت المريع.