بتاريخ ١٢ شباط ٢٠١٤، في شارع عفيف الطيبي في الطريق الجديدة، تمكنت استخبارات الجيش من توقيف المطلوب نعيم عباس. كان في حوزته فتيل صاعق بطول ٢٢٠ متراً وبوصلة عسكرية وبطاريتان، إضافة إلى مبلغ مالي قدره ١٩٥٠٠ دولار أميركي و ٣٠٠٠ يورو. كما عُثر معه على رخص سوق وبطاقات هوية لبنانية وسورية مزوّرة. خلال التحقيق، بحسب ما وردت في القرار الاتهامي الصادر عن قاضي التحقيق العسكري فادي صوّان، سرد عباس مسيرته الحزبية. فذكر أنّه انتمى إلى حركة فتح ثم الجهاد الإسلامي عام ١٩٩٣، وأنّه خضع لدورة عسكرية في الهرمل لمدة أربعين يوماً تدرّب فيها على تشريك المتفجرات والرمي بمدفع الهاون واستخدام الأسلحة المتوسطة. كما ذكر أنّه خضع لدورة في حماية الشخصيات. تطرق عباس إلى إطلاق الصواريخ على إسرائيل. فذكر أنّه في عام ٢٠٠٢، أطلق خمسة صواريخ من دير ميماس على مستعمرة كريات شمونة، بالاشتراك مع الفلسطينيين يوسف شبايطة وصالح قبلاوي وعاصم هريش. التحق بتنظيم "القاعدة" في العراق عام ٢٠٠٥، بعدما تجنّد على يدي القيادي في التنظيم صالح قبلاوي، ودرّب في معسكرات التنظيم التكتيك العسكري. وفي أيار ٢٠٠٥، كُلِّف من قبل توفيق طه، أيام كان في «عصبة الأنصار»، ومن «أبو الليث الجزراوي» من «القاعدة»، بتهيئة أرضية لتنظيم «القاعدة» في لبنان. عاد إلى مخيم عبن الحلوة بعدما بايع الأمير الشرعي للتنظيم المدعو «أبو صهيب الشرعي» في الأنبار، ليبدأ بعدها في تجنيد العناصر لمصلحة التنظيم في لبنان، فاستحصل على مبايعة محمد جمعة ويوسف شبايطة ونعيم النعيم ومروان حمادة وبشير البيطار وآخرين. وتحدث عباس عن محاولات عدة لإطلاق صواريخ من الجانب اللبناني باتجاه الأراضي المحتلة، فشل معظمها، وأشار الى أنه عمد بعدها إلى إعطاء دروس عسكرية لشبّان سعوديين في منزله في المخيم.
جمانة حميد قادت سيارتين مفخختين سلّمت الأولى لعباس وقُبض عليها متلبّسة في الثانية
عام ٢٠٠٨، انتقل عباس إلى سوريا بواسطة هوية مزوّرة، وهناك تعرّف إلى جمال دفتردار وماجد الماجد وبلال كايد ووسيم نعيم، ليُصبح عضواً في «كتائب عبدالله عزام»، وتولى منصب «قائد سرايا زياد الجراح»، الذي كانت مهمته تنفيذية، فيما كان توفيق طه نائب الأمير السعودي ماجد الماجد الذي كان مرتبطاً بـ «ألوية عبدالله عزام» في وزيرستان. وتولّى هؤلاء تنفيذ عدد من العمليات الأمنية، لا سيما استهداف قوات اليونيفل في الجنوب. عام ٢٠١٢، اتّفق عباس مع كل من ماجد الماجد وتوفيق طه وجمال دفتردار ونعيم النعيم على إنشاء خلايا لـ «كتائب عبدالله عزام» في سوريا. كُلِّف دفتردار بتولّي هذه المهمة على أن يعاونه فيها محمد جمعة. وانتقلا لهذه الغاية إلى القصير عبر عرسال. في تلك الأثناء، تدهورت حال الماجد الصحية. فلازمه دفتردار للعناية به، فيما انتقل إلى القصير الفلسطيني محمد الأفندي ومحمود عبدالقادر وعبدالرحمن النميري الملقّب بـ «أبو دجانة» ومحمد جمعة، ومنها إلى جوسيه حيث أنشأوا مخيّماً تدريبياً بالتعاون مع خالد حميد حيث راحوا يتدرّبون ويُدرّبون على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والعمليات الأمنية. في أيلول ٢٠١٢، وصل إلى مخيم عين الحلوة الشيخ سراج الدين زريقات ليُبايع «كتائب عبدالله عزام»، فأشار عليه الماجد بالانتقال إلى سوريا لأنّ أمره افتُضح في لبنان. وذكر عباس أنّه في تموز من العام نفسه، كلفه الماجد بالسفر إلى سوريا للالتحاق بمجموعة «أحرار الشام» بقيادة أحمد طه، الملقّب بـ «أبو الوليد»، والمكلّف من قبل توفيق طه بتجميع المجموعات المسلّحة وإرسالها إلى منطقة مضايا قرب الزبداني للدخول إلى وادي بردى. هناك أنشأوا مخيّماً للتدريب على رمي الصواريخ. وبعد انتهاء الدورات، عاد إلى عين الحلوة مستخدماً بطاقة هوية مزوّرة بسام سعيد المحمود. وهنا اتّفق مع أحمد طه على ضرب الضاحية الجنوبية بالصواريخ انتقاماً من حزب الله الذي أعلن جهارة أنّه يقاتل "الجهاديين" في سوريا. وبالفعل، قام بتاريخ ٢٦ أيار ٢٠١٣، بالاشتراك مع أحمد طه ومحمد جمعة، بإطلاق ثلاثة صواريخ من عيتات على مجمّع سيد الشهداء، لكنّها أخطأت هدفها لتسقط في محلة مار مخايل ــــ الشيّاح. جرى الاتفاق بعدها مع طه وحسين الزهران الملقّب بـ «أبو بكر» على العمل لتفجير سيارات مفخخة في الضاحية الجنوبية. وبالفعل، قاموا بتفجير سيارة كيا مسروقة في بئر العبد بتاريخ ٩ تموز ٢٠١٣. وذكر نعيم عباس أنّ حسين زهران ومحمد الأحمد وسعيد البحري والسوري أبو آدم فجّروا سيارة مفخخة بتاريخ ١٥ آب ٢٠١٣ في الرويس. انتقل بعدها عباس إلى يبرود عبر عرسال حيث درّب عناصر من «جبهة النصرة»، واشترك معهم في إطلاق أربعة صواريخ على القوات الخاصة السورية قبل أن يعود إلى عين الحلوة. وفي ٢٠ كانون الأول من العام نفسه، انتقل إلى بيروت ليستأجر شقة في الطريق الجديدة.
خضع لدورة عسكرية في الهرمل لمدة أربعين يوماً تدرّب فيها على تشريك المتفجرات
وتواصل مع أحمد طه الذي أبلغه أنه ترك «الكتائب» وانضم إلى «النصرة» قبل أن يلتحق أخيراً بتنظيم «الدولة الإسلامية» في القلمون. وذكر عباس أنّه أواخر عام ٢٠١٣، أرسل «أمير الدولة» في يبرود المدعو «أبو عبدالله العراقي»، بواسطة أحمد طه، سيارة شيروكي زيتية يقودها انتحاري وانغماسي، وطلب منه تأمين مأوى لهما في بيروت وتزويدهما ببطاقتي هوية مزورتين لكي يتنقلا بسهولة على الأراضي اللبنانية. وأُبلغ عباس أن ينسق في هذا الخصوص مع بهاء الدين السيد، أحد رجال طه، وزوج شقيقة الأخير المدعو محمد الظريف. لكنّ هؤلاء لم يلتزموا بأوامره لجهة عدم حمل أي حزام ناسف وعدم التعرض للجيش، فسقطوا في اشتباك مع الجيش عند حاجز الأولي. كما سقطوا في انفجار حزام ناسف وقنابل في مواجهة أخرى في مجدليون. وذكر عباس أنّه في ٢٠ كانون الأول ترك عين الحلوة ليبيت ليلته في الطريق الجديدة، ومن هناك انتقل إلى يبرود حيث التقى أمير «النصرة» أبو مالك التلّي، بحضور كل من «أبو صهيب» والمسؤول عن ملف لبنان في «جبهة النصرة» المدعو أبو خالد. فطلب الأخير منه أن يهيّئ الأرضية لـ «النصرة» للعمل سريعاً على الساحة اللبنانية، لكونهم يريدون إرسال سيارات مفخخة وانتحاريين إلى لبنان. وافق عباس واضعاً شقّته في الطريق الجديدة بتصرف أبو خالد وانتحارييه. وأبلغه أنّه سيعمل على دراسة الأهداف المحتملة للتفجير في الضاحية. وقبض عباس من أبو خالد ٢٠٠٠ دولار لتغطية المصاريف، و٤٠٠٠ دولار من أحمد طه للغرض نفسه. ثم عاد إلى لبنان حيث التقى أمين عثمان الذي سلّمه مفتاح سيارة شيروكي مفخّخة مركونة في موقف عمومي في صبرا. وتواصل إلكترونياً مع الانتحاري الذي يدعى قتيبة، أحد أبناء وادي خالد، ورافقه إلى السيارة حيث أرشده إلى الطريق التي ستوصله إلى الهدف المتمثّل بالأمانة العامة لحزب الله في حارة حريك. وهناك حصل الانفجار الأول في الشارع العريض بتاريخ ٢ كانون الثاني ٢٠١٤. كما ذكر عباس أنّه استقبل الانتحاري الثاني الذي قاد السيارة المفخخة الثانية التي انفجرت في حارة حريك أيضاً في ٢١ من الشهر نفسه، كاشفاً أنّه سوري يدعى محمد مدللة. وأنكر عباس علاقته بتفجير الهرمل، مؤكداً أنّ أبو خالد تحديداً يقف وراء هذا الانفجار. وذكر أن الأخير تواصل لاحقاً معه ليكلّفه بالتحضير لعملية تفجير جديدة، وأنّه طلب منه تحضير المتفجرات والمستلزمات المطلوبة لكون الانتحاري الذي سيُفجّر نفسه أصبح جاهزاً. وقد استأجر لهذه الغاية مستودعاً في منطقة الدبية ــــ السعديات. واتصل عباس برفيقه محمد جمعة طالباً إليها تزويده بمستلزمات لوجستية وأن يؤمن له بندقية كلاشنيكوف مع خمسة مماشط. وتحدّد الهدف بمبنى قناة المنار في منطقة الجناح. وكانت الخطة تقضي بأن يهاجم الانتحاري حراس المبنى بإطلاق النار عليهم، ثم يفجّر الحزام الناسف الذي يرتديه، علماً أن نعيم عباس هو من صنع الحزام الناسف. وقد اصطحب أمين عثمان الانتحاري إلى المستودع وقاماا باستطلاع الهدف وكيفية الوصول إليه. وبتاريخ ٣ شباط ٢٠١٤، انتقل الانتحاري بواسطة سيارة أجرة ثم استقلّ باصاً عمومياً. وقد لاحظ سائق الباص الحزام الناسف، فسأل الانتحاري عنه ثم تلاسن معه، فارتبك الانتحاري وفجّر نفسه في الباص. لم يقتصر عمل عباس على «جبهة النصرة» فحسب، إنما وافق مهندس التفجيرات على العمل لمصلحة تنظيم «الدولة الإسلامية» أيضاً بناء على طلب أحمد طه. واتصل بمحمد جمعة الذي عرّفه على حسام البكري، ليشتري منه كمية من الأسلحة والصواريخ والمتفجرات. وقد نُقلت هذه الكميات بسيارة أمين عثمان إلى مستودع السعديات. وأبلغ طه عباس بوجوب التوجه إلى مركز جمعية التقوى في بيروت لقبض المال من الشيخ السوري عمر جوانيه الملقب بـ «أبو عمر الحمصي». وأعطاه علامة بأن يد الحمص مقطوعة للتعرف عليه. وبالفعل، سلّمه الأخير مبلغ ٢٠ ألف دولار. في تلك الأثناء، اتصل أبو خالد بنعيم ليُبلغه بأنّه سيُرسل له سيارة مفخخة جاهزة للتفجير من عرسال إلى بيروت. وأرسل شاباً يُدعى فادي لاستطلاع الطرقات التي يقتضي على سائق السيارة المفخخة أن يسلكها. ثم أبلغه أن امرأة ستقود السيارة من عرسال إلى بيروت، ليتبين أنّها جمانة حميد. وقد تواصل نعيم معها بواسطة فادي، الذي انتقل برفقتها من عاليه إلى جسر الكولا في بيروت. وقد استلم فادي السيارة منها، فيما كان نعيم يسير بسيارته أمامه لإرشاده إلى الطريق. ونُقلت السيارة المفخخة إلى موقف عمومي قرب جسر سليم سلام، ثم أحرقوا شرائح الخطوط الخلوية التي استعملوها على الطريق. وفي اليوم التالي، أرسل أبو خالد شاباً يدعى سامي، وهو أحد انتحاريي "جبهة النصرة". وسلّم سامي لنعيم مبلغ ٥ آلاف دولار وخطاً خلوياً. وعاود أبو خالد الاتصال بعباس لإبلاغه بأنه في صدد إرسال سيارة مفخخة أخرى من نوع كيا. كذلك تواصل معه أحمد طه ليبلغه بأنّه سيرسل إليه شاباً لبنانياً، اتفقا على مناداته «مازن»، لمساعدته وتسليمه المال والخطوط الخلوية. ولمّا اتصل نعيم برقم مازن، لاحظ أن المجيب يتكلم بطريقة مريبة. فساورته الشكوك بأن يكون قد وقع في الأسر. عندها أقفل الخط وأتلف الشريحة، ثم أبلغ سامي وفادي بوجوب الخروج من المنزل. وحمل جهاز الحاسوب الخاص به ولفّة كورتكس كانت في حوزته، ثم جلب أغراضه وأمواله وخرج من المنزل. وما إن وصل إلى سيارته المركونة على الطريق، أُلقي القبض عليه. فاعترف بأمور عديدة وأرشد المحققين إلى المستودع في السعديات. واعترف بوجود سيارة تويوتا محملة بالمتفجرات مركونة في موقف عمومي في كورنيش المزرعة. واعترف أنّه كان بصدد استلام سيارة مفخخة من نوع كيا ريو، سيرسلها إليه أبو خالد من عرسال. فطلب إليه المحققون فتح حاسوبه والاتصال بأبي خالد لسؤاله عن السيارة. ففعل، وعرف من أبو خالد أنه أرسل السيارة مع امرأة وأعطاه رقمها الخلوي. فاتصل نعيم بها ليكتشف أنّها لا تزال في عرسال وأنها غير محجبة. فأبلغها بأن تتصل به بعد خروجها من عرسال، ثم أبلغ المحققين بمواصفات السيارة والسائقة ليتم توقيفها من قبل استخبارات البقاع ويتبين أنّها جمانة حميد. المرأة التي خرجت في صفقة التبادل لإطلاق سراح العسكريين، نفت علمها بأن السيارتين اللتين قادتهما كانتا مفخختين. وأكدت أنّها لا تنتمي لأي تنظيم ولم يكن لديها نية يوماً بأن تكون انتحارية.