لم تعد العين المتابعة للتفاصيل في الشأن المصري، تُخطئ حجم العنف الممتد والمتصاعد في البيئة الأهلية، الذي رصدته العديد من المؤسسات الاجتماعية والإعلامية، بعد دق «ناقوس العنف الأهلي»، تخلله عنف سياسي مارسته القوى السياسية المتناحرة في مصر. غير أنه خلال الفترة الماضية، رافق هذا العنف السياسي إفراط في الاستخدام وصل إلى حد القتل، لكن الأخطر، من وجهة نظر المراقبين كان حالة «الشماتة»، و«التشفي»، التي رافقت هذه الأحداث.
وظهرت هذه الحالة عند مقتل الشباب الإخواني في اعتصام جامعة القاهرة أول من أمس، والتمثيل بشاب إخواني كان في مقرّ مكتب الإرشاد منذ ثلاثة أيام، بعدما استخدم الإخوان الرصاص الحي ضد المتظاهرين الذين هاجموا مقرهم، الأمر الذي أدى إلى مقتل 6 متظاهرين اضافة الى شابين من الإخوان. سيناريو كاد أن يتكرر في الإسكندرية الجمعة الماضية، حينما استخدم الإخوان الرصاص الحي ضدّ متظاهرين حملوا نفس الأسلحة، لكن انسحاب الإخوان أدى إلى وقوع إصابات في صفوفهم، فيما سقط قتلى من المتظاهرين، الذين عادوا وأشعلوا النيران في محتويات المقرّ. أمور تنبه اليها المتابعون محذرين من سقوط «الغطاء الأخلاقي» لثورة كانون الثاني، ومن وصول مرحلة العنف الى الانتقام من أي طرف اتجاه أي طرف، ومن فقدان السلم الأهلي، الذي وجهت له حالة الكراهية المتبادلة في الشارع السياسي، على خلفية استقطاب ضربات مؤثرة كادت تضيعه.
وقد ظهر هذا العنف على نحو تصاعدي وبوضوح بين القوى السياسية غير العسكرية أو الشرطية، التي سبق أن مارست العنف على نحو جلي إبان حكم المجلس العسكري طوال عام ونصف عام، وامتد في حالة الشرطة الى الأيام الجارية؛ بدأ هذا منذ واقعة جمعة كشف الحساب، التي نزل الإخوان حينها الى ميدان التحرير في 12 تشرين الأول الماضي، للتظاهر أثناء وجود قوى أخرى، وهو ما مثل استفزازاً لهم، فولّد عنفاً، لكنه كان بسيطاً مقارنة بما جرى بعد ذلك، حينما جرى اقتحام مقار حزب «الحرية والعدالة» في الإسكندرية يوم 22 من تشرين الثاني، قبل أن يصبح أمر مهاجمة مقار الإخوان وحرقها سُنّة لدى المتظاهرين، حيث تجاوز عدد المقارّ المعتدى عليها 45 مقراً، اضافة الى مقتل الشاب إسلام مسعود في كانون الثاني الماضي.
وبالنسبة إلى جماعة الإخوان، فقد هاجم مناصروهم المعتصمين عند قصر الاتحادية في 5 كانون الأول الماضي، ومارسوا بحقهم عنفاً مفرطاً بدعوى حماية مرسي من الانقلاب عليه، الأمر الذي أدى إلى وقوع اشتباكات وسقوط قتلى وجرحى من الطرفين، بينهم الصحافي الحسيني أبو ضيف.
امتد العنف الى أن وصلت أحداث المقطم التي جرى خلال التنكيل بأفراد الإخوان في جمعة «رد الكرامة» في آذار الماضي. وكان هذا الحدث أول الأحداث التي شهدت حالة من الشماتة حول حوادث قتل أو سحل متبادل. غير أن الباحث والناشط السياسي عمرو إسماعيل، قال لـ«الأخبار»، إن حالة الشماتة والتشفي الموجودة ترجع الى وجود «قطيعة فكرية وفاشية في التعامل مع الآخر». وفي حالة الإخوان، يرجعها الى وجود حالات سابقة من الشماتة كانت موجهة من الإخوان إلى خصومهم، في العديد من مواقفهم؛ على سبيل المثال، تساءل مرة الإسلاميون عن فتاة مجلس الوزراء بـ«إيه اللي وداها هناك». وكذلك في بعض الشعارات المستخدمة مع الثوار بالقول «موتوا بغيظكم»، حينما تقاربوا مع الجيش.
إلّا أن تميم عليان، الصحافي الذي كان شاهداً على كثير من الوقائع والأحداث، يرى في حديث لـ«الأخبار» أن «ظاهرة العنف المتبادل وتقبله تعود إلى أن الفاعلين الأساسيين في العنف ليسوا أشخاصاً عاديين في الأغلب، بل أشخاص مأجورون محترفون أو ما يطلق عليهم بلطجية،
إلا أن تميم يستطرد «لكن السبب الرئيسي يعود إلى التغطية الإعلامية الهستيرية، وإلى شيطنة كل طرف للآخر، وقطع كل حبال التواصل، بحيث تتحول المعركة إلى معركة وجود، ويتحول دور الإعلام إلى الشحن.
أما عن أخطاء الإخوان ومدى مسؤوليتهم، فيرى تميم أن «مسؤوليتهم مباشرة في اتباع سياسة غير شفافة في إعلان الحقائق أمام الرأي العام، وتركهم الخطاب الإعلامي الهستيري واستخدامهم أحداث العنف في بعض الأحيان لتحقيق مكاسب سياسية وشعبية، اضافة الى عدم التدخل في الوقت المناسب وترك الأمور تتصاعد»،
بدوره، يرى أستاذ النظرية السياسية في جامعة القاهرة، محمد صفار، في حديث لـ«الأخبار» أن «الغطاء الأخلاقي للثورة كان مستهدفاً منذ اندلاع الثورة، التي كان هناك من يريد لها أن تنتهي في 11 شباط يوم تنحي مبارك؛ فالجوهر الأخلاقي في الفعل الثوري هو بمثابة قطب ينجذب كافة الناس اليه دون المشاركة في الثورة؛ وبالتالي فإن جهاز الإعلام الخاص بالنظام القديم في مصر، أراد محاصرة روح الانفجار الثوري من خلال رفع شعارات ورموز الثورة مع وأد روح التغيير، وكأن شيئاً لم يحدث، وذلك بوضع الحدث الثوري بين قوسين من الناحية الزمنية عن طريق تحديد بداية لثورة 25 كانون الثاني و11 شباط 2011 كنهاية لها.
ويرى أنه «على قدر استعادة التماسك الأخلاقي، كان من السهل الحفاظ على السلم الأهلي، وكان هناك قدرة على التسامح مع الإخوان وعدم النيل منهم إلا عبر الحساب العادل فقط، وتوقف نبرة الشماتة».
الدكتور أحمد عبد الله، الخبير في الطب النفسي، يرى أن المصريين «بدلاً من أن يستثمروا طاقة الشفاء التي توافرت لهم من خلال الثورة، في مداواة الأوجاع والعقد والأمراض المستوطنة في المجتمع المصري، نتيجة قرابة 60 سنة من القهر، ذهبوا بها إلى مسار الصراع السياسي والحزبي»، الأمر الذي يمكن وصفه بأنه «خيانة للذات».