على الرغم من أن المستوى الرسمي الإسرائيلي لا يزال يلتزم الصمت إزاء التطورات التي تشهدها الساحة المصرية، انسجاماً مع التعليمات التي وجهها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى وزرائه، غير أنه ليس من الصعب تلمس قدر من الطمأنينة يسود لدى صانع القرار في تل أبيب لجهة استبعاد تحقق سيناريوهات متطرفة تتصل بالأمن القومي الاسرائيلي، يوازيها قدر من القلق المتصل بالأمن الجاري، وتحديداً ما يتعلق بالوضع الأمني على الحدود مع سيناء.
في ضوء التطورات المتلاحقة على الساحة المصرية، واكتفاء القيادة العليا بمراقبة الوضع من دون إصدار مواقف محددة، يحاول الاسرائيليون استشراف الآثار التي ستترتب على التغيير السياسي في مصر، والتداعيات الفورية والبعيدة المدى لما جرى وما يمكن أن يجري.
وذكر المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن قنوات التنسيق بين الجيش المصري وأجهزته الأمنية، ونظيرتها الاسرائيلية، واصلت عملها هذا الأسبوع، على الرغم من الأزمة الخطيرة في القاهرة. ورأى أن التطابق الايديولوجي بين «حماس» والاخوان المسلمين، سمح للأخيرة بنشر رعايتها وفرض سياستها عليها، لكنه أضاف أنّ من الصعب معرفة ما إن كانت ستبقى هذه العلاقات مع تغير صاحب البيت في القاهرة.
وبالرغم من أن اسرائيل حذرة من أن تبدو كمن يتدخل في الساحة المصرية، رأى هرئيل، أن من الصعب القول إن اسرائيل تتمنى سقوط الاخوان المسلمين، على عكس التوقعات السابقة، وعلى الرغم من العداء الإيديولوجي البارز للحركة تجاه اسرائيل. وبحسب مسؤولين رفيعي المستوى في الجيش، كان التنسيق الامني بين الدولتين في السنة الماضية أفضل مما كان خلال فترة حكم حسني مبارك، مقرّاً بأن ذلك يعود الى «جهود ومصالح الأجهزة الأمنية المصرية، لكن الإخوان المسلمين سمحوا للتعاون الأمني بالازدهار».
اما لجهة بعض الآثار الاستراتيجية الفورية التي يمكن أن تترتب على التغيير الذي حصل في مصر، فرأى هرئيل أن «هناك خشية من أن تستغل الفصائل الاسلامية المتطرفة الفوضى من أجل تنفيذ عمليات ضد اسرائيل»، مضيفاً «من المعقول الافتراض أنه ليس لدى «حماس» مصلحة في إشعال الجبهة مع اسرائيل، وخاصة أنها باتت أكثر ارتباطاً من أي وقت مضى بمصر».
في السياق نفسه، نقلت صحيفة «معاريف» عن مسؤولين رفيعي المستوى خشيتهم من أن تدخل الى هذا الفراغ قوى جهادية مختلفة، وتحاول تنفيذ عمليات ضدّ اسرائيل. وعلى المدى الأبعد، يخشى الاسرائيليون من مواجهة متواصلة بين الإخوان وجماعات اسلامية متطرفة أخرى، ومعارضيهم قد تتدهور الى حرب أهلية. ونتيجة سيناريو كهذا، تبدو الفوضى أقرب من أي وقت مضى، الأمر الذي سيتسبب لاسرائيل بمشاكل كبيرة.
في موازاة ذلك، رأت «معاريف» أن «ما يعني اسرائيل هو أن تواصل مصر احترام اتفاقية السلام وتحافظ على الهدوء من خلال معالجة المسائل الاقليمية المشتركة للدولتين، بما فيها القضايا المتصلة بقطاع غزة وحركة «حماس» فيه، واطلاق النار نحو اسرائيل وتهريب السلاح الى القطاع». ومن هنا نقلت رسالة واضحة الى القاهرة، مباشرة ومن خلال دول صديقة، عن «الحاجة الى ضمان الا تترك سيناء لمصيرها بسبب الأحداث في الدولة».
من جهة ثانية، أكدت «معاريف» أنه ليس سراً أن التنسيق والتعاون العسكري والاستخباري بين اسرائيل ومصر تعزز في ظل حكم الاخوان المسلمين، حيث تزور وحدة الارتباط للجيش المصري اسرائيل على نحو دائم، ويُستقبل مسؤولون اسرائيليون من المؤسسة العسكرية على نحو دائم في القاهرة، كما أدت مصر دوراً مهماً في اتفاق وقف النار مع «حماس».
الى ذلك، حذَّر «بن درور يميني» في صحيفة «معاريف»، من أن «السيناريو القائم الآن سبق أن شهدناه وابتهجنا بأوهام «الفايسبوك» والديموقراطية، لكن تبينت الحقيقة في صناديق الاقتراع»، مشيراً إلى أن «سنة واحدة غير كافية للوصول الى استنتاجات، وبالتأكيد ليس للوصول الى اطاحات، لأنه من المشكوك فيه أن تكون هناك قوة في العالم يمكنها أن تحدث تغييراً سريعاً الذوبان». وأضاف أن «مصر على شفا افلاس، وحكم الميادين لا يبشر بأي تغيير. يوجد بالطبع من يُفرحه سقوط الاخوان المسلمين، وعن حق. غير أن هذه المرة، في الظروف الناشئة ليس واضحاً على الإطلاق أن هذه بشرى كبرى».