لا يزال المصريون قادرين على إبهار العالم بسلمية تظاهراتهم وإصرارهم على استكمال ثورتهم. وبمجرد أن هلّت عليهم نسائم ثورة يناير، عادوا إلى الميادين منتزعين من الرئيس المصري وجماعته الشرعية التي أضفوها عليهما بمنحهما أصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتجريده من الأغلبية، وخاصة بعدما قُدر عدد المتظاهرين المصريين الرافضين لاستمرار الرئيس في الحكم في جميع ميادين ومحافظات مصر بـ33 مليوناً حسب خدمة «غوغل إرث»، وبـ 30 مليوناً، حسب تقديرات أجنبية، وبـ17 مليوناً حسب رواية مصدر عسكري عن غرفة عمليات القوات المسلحة.
وهو عدد في كل الأحوال، يفوق عدد المتظاهرين في أيام ثورة «يناير» الـ18، ولهذا يبدو الحديث عن شعبية جماعة الإخوان المسلمين أمراً يستحق القياس، وخاصة بعدما خرجت جميع المحافظات المعروفة بدعمها للإخوان في جميع الانتخابات والاستفتاءات السابقة، سواء محافظات الصعيد، الجيزة وبني سويف والفيوم والمنيا وسوهاج وأسوان وأسيوط وقنا والوادي الجديد، المعروفة بكونها معاقل للإسلاميين المتشددين. أو حتى المحافظات التي دعمت مرسي بوصفه البديل الوحيد لعدم عودة نظام حسني مبارك ومرشحه أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية، مثل الإسماعيلية والإسكندرية والبحيرة والسويس ودمياط وشمال سيناء ومرسى مطروح وكفر الشيخ، بنسب تصويت تراوح ما بين 51 في المئة وحتى 80 في المئة من جملة المصوتين.
ويرى الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن الإخوان ورئيسهم فقدوا الدعم الشعبي، مضيفاً أنّ الشخص الذي انتخب مرسي ومن قبله مرشحي الإخوان في الانتخابات البرلمانية، وذهب للموافقة على الدستور الذي أعدوه، فقد الثقة كاملة في حكم الإخوان، ورأى أنه لا يختلف عن حكم رجال الحزب الوطني. وأضاف أن جميع استطلاعات الرأي، التي أُجريت خلال الأشهر الـ12 لحكم مرسي، تؤكّد أن شعبية الجماعة في تدهور مستمر.
وقال ربيع إنه بغض النظر عن الاستفتاء الأخير الذي يقوم به المصريون منذ الأول من أمس بالنزول إلى الميادين، أفادت الاستطلاعات التي أجراها مركز بصيرة عبر الهاتف أن رضى المصريين عن أداء الرئيس بعد 50 يوماً ثم 60 ثم 80 ثم 100 يوم من حكمه، ثم بعد 5 أشهر فـ6، ثم 7 و 8 و 9 و10 و 11 شهراً، هي كالآتي: 76 في المئة، 77 في المئة، 79 في المئة، 78 في المئة، 57 في المئة، 63 في المئة، 53 في المئة، 49 في المئة، 47 في المئة، 46 في المئة، 42 في المئة، لافتاً إلى أن عدم الرضى عن أداء الرئيس يتصاعد تدريجاً مع مرور الوقت، وأن شهر أيار سجل فقدان مرسي وجماعته 50 في المئة من شعبيتهم. ورغم أن الوجه القبلي (محافظات الصعيد) هو الأكثر تأييداً لمرسي، طبقاً للتصويت في انتخابات الرئاسة وفي الاستفتاء، غير أن المركز سجل أن هذا التأييد يتآكل.
وفي ما يتعلق بالإجابة عن سؤال: هل ستنتخب الرئيس لو أُجريت الانتخابات غداً؟ كشف الاستطلاع أن نسب الرفض ارتفعت على مدار 11 شهراً من 18 في المئة إلى 50 في المئة، موضحاً أن منحنى رفض إعادة انتخاب مرسي في صعود دائم. لكن كان الملاحظ أن في الشهر الخامس والسادس حدث العكس، ويبدو أن هذا الأمر ارتبط بأمرين: أولهما تراجع الرئيس عن الإعلان الدستوري الصادر في 21 تشرين الأول 2012، والثاني حرق أكثر من 25 مقراً لحزب الحرية والعدالة، ما أدى إلى تعاطف شعبي مع الإخوان، وخصوصاً مع التنديد المائع لجبهة الإنقاذ بتلك الأحداث. وشدد ربيع على أن عدداً من المراكز الأجنبية أعلنت نتائج مشابهة في الفترة الأخيرة.
نتائج ظهرت على أرض الواقع خلال التظاهرات التي بدأت أول من أمس في محافظات مثل الإسكندرية، التي سبق أن دعمت الرئيس خلال الانتخابات الرئاسية بنسبة 57.5 في المئة من جملة المصوتين، حيث اعتصم الآلاف من سكان المحافظة في ميدان القائد إبراهيم مردّدين شعارات مناهضة للرئيس وجماعته. بل قام عدد منهم بحرق مقارّ الإخوان في المحافظة، وهو ما شهدته محافظات كثيرة أخرى مثل المنيا التي دعم 64.4 في المئة من الناخبين فيها مرسي في الانتخابات الرئاسية.
محافظة الفيوم، بدورها، كانت الدليل الأبرز على انقلاب مؤيدي مرسي عليه؛ فالمحافظة التي صوتت بنسبة 77.8 في المئة لمرسي، احتشد مواطنوها في ميدان السواقي مردّدين: «ارحل بقى يا عم خلي عندك دم»، وهو ما تكرّر في محافظات مثل دمياط وكفر الشيخ المعروفة بدعمها للرئيس مرسي.
غير أن الإخوان المسلمين لم يروا، في المقابل، أن شعبيتهم قد تراجعت. وحسب القيادي الإخواني هشام جودة، إن من يتظاهرون ضدّ الرئيس في الميادين المختلفة هم فلول وأتباع النظام السابق إلى جانب المعارضة العلمانية ومن يتبعهم من المضللين، مضيفاً أن أبرز دليل على ذلك هو رفع صور مبارك في ميدان التحرير. لكن أنصار الرئيس من التيارات الإسلامية أقرّوا بأن شعبية مرسي تتآكل، مبررين بأنّه تعمد إقصاء غالبية القوي السياسية وانفراد جماعته بحكم البلاد.