القاهرة | مرة أخرى، تتعامى السلطة في مصر ــ أو لا تدري ــ حجم تأثير المقاومة التكنولوجية لها حتى الآن. الشباب يواصلون تقديم أشكال المقاومة المختلفة، بالغناء والرسم والغرافيتي والألعاب الإلكترونية، فيما الرئيس المصري محمد مرسي يقلب الصفحات على جهاز «الآي باد» بعد بلّ إصبعه! مع اقتراب يوم «30 يونيو»، تتضح بشكل جلي السنين الضوئية التي تفصل السلطة عن الشارع، رغم قصر المدة على كرسي الحكم وهي لمّا تكمل عامها الأول بعد.
فرق بين تفكيرين وحياتين، إحداهما مقبلة على الجديد قابلة للتشكّل مع مجريات العصر، وأخرى واقفة عند أقوال حسن البنا وتوصياته منذ 80 عاماً. هو فرق المنظومة وفرق حدود الإبداع، ما يميّز أي نظام فاشي يفرض سلطة على الخيال، وشباب لا يقبلون بغير سلطة الخيال.
المسألة ليست في استخدام التكنولوجيا من عدمه. كلّ القيادات تملك الآن حسابات خاصة على الفايسبوك وتويتر، بل هو التفاعل مع هذه التكنولوجيا، كجزء حتمي من تفاصيل الحياة اليومية، وكيف يمكن أن تخرج من هذه الأدوات إبداعاً جديداً، لا كشيء طارئ أو شرّ لا بد منه، كما تفعل القيادة!
بدأت المقاومة التكنولوجية لمرسي ونظامه على يد الراقصة والممثلة سما المصري التي بدأت بنشر فيديوهات تغني فيها لمشروع النهضة الوهمي. وتوالت الفيديوهات التي يستخدمها المصري في التعليق على الأحداث السياسية الأهم في الشارع المصري بعد فوز مرسي، مستغلة مساحة الحرية على اليوتيوب، وهو ما لم تكن لتحصل عليه في أي قناة، وإن كانت مناوئة للإخوان.
المصري بدأت برنامجاً يحمل اسم «إلبس» على قناة «الفراعين» المملوكة للإعلامي المثير للجدل توفيق عكاشة، لكنّ البرنامج توقف بعد عرض حلقته الأولى فقط. لذلك، كان اتجاهها إلى اليوتيوب حتمياً. استطاعت أن تقدم رؤيتها ــ ببساطتها وفجاجتها ــ كما هي. الفيديو الأخير أثار ضجة كبيرة، إذ رقصت مرتديةً النقاب، موجهة رسالة إلى مَن حضر الحوار الوطني الذي دعا إليه مرسي لمناقشة أزمة سد إثيوبيا وحصة مصر من ماء النيل. حمل الفيديو عنوان «أحّيه» (كلمة تنتمي إلى اللهجة السكندرية وتستخدم في الاعتراض أو الاندهاش، وهي قريبة الشبه من الكلمة النابية «أحّا») وكتبت سما في بدايته بلغة مليئة بالأخطاء: «بالصلاة علي النبي الكليب دا. تمثيلي كوميدي ساخر يشرح الحالة المنيلة بنيلا اللي بقت مصر فيها. وانا مليش علاقة خالص بحكاية ازدراء الاديان علشان لو حد اتهمني بكدا هحط صوابع رجلي في عينه». سما المصري حالة مقاومة بسيطة وصادقة للسلطة الإخوانية لا تخشى تابوهات الدين والسياسة، والتنويه في أول الكليب لا يمثّل غير سخرية من قضية ازدراء الأديان! وكما هو واضح لمتابعي الوضع السياسي المصري، فالرئيس مرسي ذو طلة وارتجالات تبعث على السخرية، مما جعل شباباً من مغنّي مهرجانات «الأغاني الشعبية الحديثة»، يؤلفون أغنية «مرسيكو سيستمز» مكونة من جمل وردت في خطابات مرسي، لتخرج الأغنية بصورة كوميدية، تنسف حالة «الرصانة المفتعلة» التي يحاول الرئيس إتقانها أثناء خطاباته. على العكس من كوميدية «مرسيكو سيستمز»، تأتي أغنية «300 يوم مرسي» ككشف حساب لما قام به الرئيس طوال فترة حكمه منذ حزيران (يونيو) الماضي، حيث تُختتم بـ «مرسي يا مرسي يا مرسي شكلك مانتش أد الكرسي، مصر ومرسي دونت ميكس!».
على صعيد الألعاب، ظهرت لعبة اسم «حملة تمرّد»، تعمل على الهواتف الذكية العاملة بنظام «الأندرويد» كنوع من أنواع الدعاية للحملة، يقوم بطل اللعبة بالجري لجمع توقيعات «حملة تمرَّد»، وتعترض طريقه مجموعة من العقبات والخراف. ولجمع أكبر عدد من التوقيعات، لا بد من تجنّب الخراف، لأنها تفقد اللاعب مجموعة من التوقيعات. ويطلع مقطع صوتي بأشهر الجمل الإخوانية من مرسي وقيادات الإخوان. جمل يعرفها الشارع جيداً مثل: «القرد لو مات، القرداتي هايشتغل إيه؟»، «اللي صباعه هيلعب في البلد، هقطعهوله» و«غاز آند الكحول دونت ميكس».
شركة صغيرة تُدعى Upfront Interactive هي التي نفّذت وأطلقت لعبة «تمرّد»، ولعبة أخرى تسمى «اختبار الثورة»، وتم تحميل لعبة «تمرّد» أكثر من 10 آلاف مرة في أقل من أسبوعين من إطلاقها.
إلى جانب هذه المقاومة الشبابية، نجد أغنية وكليب من إنتاج وإخراج وكلمات نصر محروس وألحان حسين محمود وغناء بهاء سلطان ومطربة شابة تسمّى توبة تحثّ الناس على النزول يوم 30 حزيران (يونيو). لكنّ أغنية «انزل... عمر المصري ما يبقى جبان» تبدو كأنّها آتية من أروقة الحزب الوطني، وتعليمات وزير الإعلام الأسبق أنس الفقي، إذْ لا خيال في كلماتها أو تنفيذها، وتحمل كل موروث الغناء السياسي في عهد مبارك. أما ردود الفعل على هذه الأغنية فجاءت على شبكات التواصل ساخرة من الأغنية وطريقة تنفيذها، وتم تشبيهها بأغنية حمادة هلال التي لاقت من السخرية الكثير (شهداء خمسة وعشرين يناير ماتوا في أحداث يناير).