ما بين رئيس حليق (حسني مبارك) وآخر ملتح (محمد مرسي)، لم تتغير سياسة مصر الخارجية، بل يمكن من دون أدنى مبالغة إضافة عام حكم الثاني للثلاثين عاماً التي حكم فيها الأول البلاد، مع تمييزه بصفتي «الالتباس والارتباك» النابعتين من غياب الرؤية الخارجية لجماعة الإخوان الإسلامية. لقد أمضى مرسي معظم أيامه كرئيس خارج البلاد، وهو الأمر الذي جلب عليه العديد من الانتقادات في الداخل أو الخارج؛ ورغم كثرة رحلاته، فانه لم يأت بنتائج مثمرة، في الوقت التي تشتعل فيه البلاد بعدد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ووصل عدد رحلات مرسي الى أكثر من 18 رحلة، جميعها كلفت الدولة أموالاً طائلة، في الوقت التي تحتاج فيه البلاد إلى الإنعاش الاقتصادي والاهتمام الداخلي لعلاج حالات الفرقة والانقسام. تنقل بين دول قارات العالم «باستثناء أستراليا»، وحاول خلالها إقناع المصريين بأنها تهدف الى انقاذ الاقتصاد المصري، فيما في الواقع كانت «فُسح» لاستنزاف أموال المصريين.
تقول أستاذة العلوم السياسية، نورهان الشيخ، لـ«الأخبار»، إن فقدان الرئيس رؤية محددة لسياسة مصر الخارجية ولزمام المبادرة، وامتناعه عن الرجوع إلى مؤسسات الدولة، تسببا في تخبط سياسة مصر الخارجية خلال العام الأول لحكمه، مشيرة الى أن «جولات الرئيس لم تضف إلى مصر الكثير، بل تحولت إلى مجرد نزهات و«فُسح» وجولات استطلاعية دون تحديد أهداف معينة لها».
مع ذلك، فان مرسي كان يتحرك خارجياً لينفذ سياسة جماعته ورؤيتها، أكثر من سياسة مصر. ولعلّ عودة العلاقات مع إيران أبرزت هذا الأمر بوضوح. ويقول مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية، مصطفى اللباد، في هذا المجال، إن زيارة مرسي لإيران كانت بمثابة ورقة ابتزاز للدول الخليجية.
ويصف اللباد موقف مرسي من إيران والأزمة السرّية بالالتباس، ويتساءل «كيف لرئيس دولة بحجم مصر بعدما أطلق المبادرة الرباعية لحل الأزمة السورية، أن يعلن مقاطعة مصر لسوريا؟».
من جهة ثانية، لم تتطور العلاقات المصرية الأفريقية في عهد مرسي، بل على العكس ازدادت سوءاً، وأصابتها حالة من الإفلاس الكبير، عكست انعدم الرؤية والخطة المصرية. ويقول اللباد إن أفريقيا عندما شعرت بحالة الارتباك التي تمرّ بها مصر، فرضت بناء سدّ «النهضة» كواقع جديد.
وينتقل اللباد بعدها إلى علاقة مصر بتركيا ودول الخليج قائلاً: «إنّ تركيا حليفة لجماعة الإخوان في المنطقة، وشهدنا في العهد الحالي خصخصة للسياسة المصرية التركية عبر جمعية رجال الأعمال، التي يترأسها رجل الأعمال الإخواني، حسن مالك، ونائبه عصام الحداد، مساعد رئيس الجمهورية لشؤون العلاقات الخارجية والتعاون الدولي، وهذا يؤكد أن القائمين على الحكم الآن يخلطون بين المصالح الشخصية للجماعة ومصالح مصر الوطنية». ومع دول الخليج، يصف العلاقات بالـ «متذبذبة ومتردية؛ فالعلاقات موجهة على المستوى العربي إلى دولة قطر وحدها دون غيرها».
في المقابل، مثل العام الأول لمرسي، نافذة لولوج وتنافس الثالوث الإقليمي الأبرز الى السياسة المصرية؛ ثالوث يتمثل في قطر وتركيا وايران.
فقطر، التي تخطو نحو اقتناص الزعامة الخليجية، معتمدة على قوتها الناعمة «قناة الجزيرة الفضائية»، كان لها الأفضلية بين دول الخليج للتحالف مع نظام مرسي، بل تقديم دعم مادي غير منظور، الى حدّ أنّ الشارع استجاب ساخراً أنّ «قطر بتشتري مصر». وهذه العلاقة المميزة مع قطر تعود الى علاقات الأخيرة بجماعة الإخوان التاريخية واحتضانها لهم، على عكس إخوانها الخليجيين الذين يجدون فيهم تهديداً حيوياً لعروشهم.
أما تركيا، فانبرت في عقد تحالفات اقتصادية، فيما ظهر دور متنامٍ لوكالة أنباء الأناضول في الساحة الإعلامية. ويرى مراقبون أن مساعي تركيا تهدف الى ترسيخ دور سيادي ومتحكم في المنطقة كي تظهر كلاعب قوي ذي كفاءة يستحق نيل الانضام إلى الاتحاد الأوروبي. فيما سارت ايران لتفتيت حالة الجمود مع مصر، حيث توسعت في انشاء مكاتب اعلامية بالقاهرة، وشجعت سياحها على الحج الى ارض الكنانة.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد تبين أنها لا تمانع في وجود أي نظام، طالما أن مصالحها محفوظة وأمن اسرائيل مصون، لذلك فان موقفها لم يحسم وظل متأرجحاً بين المعسكرين «الاسلامي والعلماني» في الشارع المصري، لكن حين صان النظام الإخواني مصالحها وأمن حليفتها تصالحت معه. وموقفها الضبابي من «30 يونيو»، ربما يعود الى تريثها كي ترى من سيملك الشارع كي تسارع وتغازله كي يحفظ ما حفظ أسلافه.