لم يحتكر أحمد الأسير وحده لقب «نجم الشاشات». النجومية الإعلامية قاسمه إيّاها «قادة المحاور» في طرابلس. سعد المصري وعامر أريش وزياد علّوكي وآخرون كُثر، تزدحم بصورهم وفيديوهاتهم أقسام الأرشيف في وسائل الإعلام. أصغر واحدٍ بين هؤلاء، خرج عشرات المرّات على المشاهدين يُطلق النار علانية في الشارع. صورة سعد المصري ملأت الشاشات عندما كان يُطلق الرصاص والقذائف على جبل محسن. ورغم ذلك، فإن أحداً منهم لم تُسطّر في حقّه أي مذكرة توقيف. سافر المصري عبر مطار بيروت غير مرة إلى تركيا والسعودية. لم يوقفه أحدٌ للمساءلة. هذا، في عُرف الشارع والأمن، يُعدّ «غطاءً سياسياً» يُمنح مقابل خدمات محددة يؤديها «القبضاي». وكيف لا يكون ذلك، والقاصي والداني في عاصمة الشمال يعرف بالتحديد حجم المبالغ المالية التي يتقاضاها المصري من سياسيي طرابلس، فضلاً عمّا يُحصّله الأخير من تجارته في السلاح التي يتمتع فيها بتسهيلاتٍ أمنية، ما منحه حالة من الاستقلالية والاستغناء عن المخصصات الشهرية من سياسيي المدينة. يسري ذلك أيضاً على معظم مثيري الشغب ومفتعلي المشاكل وحارقي صهاريج المازوت من ذوي الحظوة السياسية في طرابلس. لكن مؤخراً بات يُستثنى من هؤلاء «علّوكي» الذي بات فارّاً من وجه العدالة، بعدما وقعت عليه القرعة منذ أسابيع، ربّما، كي يكون «كبش الفداء» بين زملائه. وكل من هؤلاء، إمّا يأتمر من رجل سياسة أو ضابط أمن أو يُدار من دون علمه. بناءً على ذلك، يُكرر بعض وجهاء طرابلس مقولة إنّ «رفيق الحريري كان يدفع للزعران أموالاً ويُشغّلهم. أمّا سياسيو طرابلس فيدفعون للزعران، لكن الأخيرين يشغلون السياسيين». ينطلق هؤلاء من هذه المقارنة ليخلصوا إلى أنّ «بعض سياسيي طرابلس أطعموا وحشاً وربّوه حتى صار أكبر منهم». تلفت المصادر إلى ان المسلحين حطّموا صور النائب كبّارة وأحرقوها لمجرّد إعلانه الوقوف إلى جانب الجيش، علماً بأن كبارة كان ممن يُحسب له حساب في الميدان سابقاً. وطبعاً ذلك لا يُبرئ ساحة المسؤولين الأمنيين أيضاً، إذ يحكى عن تواطؤ سياسي ــ أمني أودى بأمن المدينة. ورغم أن التقارير الأمنية لدى الأجهزة الأمنية تزخر بارتكابات وأسماء الزعران الذين يتجوّلون لإرهاب الناس في المدينة، إلّا أنّ أيّاً من هؤلاء لم يُصر إلى توقيفه بعد. وإن حصل ذلك، يُترك فوراً بوساطة سياسية او امنية. غالبية قادة المسلحين ليسوا من طرابلس، مع ما يستتبع ذلك من عصبية من أبناء المدينة تجاه هؤلاء. إزاء ذلك، تشهد المدينة الشمالية شدّ حبال هذه الأيام. ينقسم شاغلوها بين ساعين إلى تدفيع العابثين بأمن طرابلس الثمن، وآخرين يحاولون حماية هؤلاء درءاً لفضيحة قد تطالهم. وإذ يكرر سياسيو المدنية، خصوصاً التابعين لتيار المستقبل كاللواء المتقاعد أشرف ريفي، وقوفهم إلى جانب قادة المحاور، خرج الرئيس سعد الحريري، أول من أمس، داعياً الى التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ووقوفه إلى جانب الجيش. وقد تلقّف سياسيون في المدينة مضمون حديثه بأنه بمثابة ضوء أخضر برفع الغطاء عن المسلّحين في طرابلس. وسبق ذلك، بحسب ما ذكرت مصادر لـ«الأخبار»، قيام الوزيرين أحمد كرامي ومحمد الصفدي بزيارة ريفي منذ أكثر من أسبوع، كاشفة أن وزير المال عاد بعدها واستقبل في مكتبه الشيخ عبدالكريم النشار الذي خاض قادة المحاور معركة ضده في الأيام الماضية. وأشارت المصادر إلى أن ذلك ترافق مع حملة أطلقها مُقرّبون من ميقاتي لحماية قادة المحاور. هكذا يتموضع الحريري ضد قادة المحاور، فيما يقابله كل من ميقاتي وريفي في الضفة الأخرى.
من جهة أخرى، ميدانياً وبعدما علم «علّوكي» باقتراب الموسى من رقبته، وأن لا وساطة ستحميه بعد فشل محاولاته استرضاء القيمين عليه، أفلت من عقاله. فسُجّل أول من أمس، اعتداؤه بالضرب على عسكري من الجيش في سوق القمح، لمجرّد أنّه يرتدي بزة عسكرية. فضلاً عن القنابل التي صار يُلقيها بوتيرة شبه يومية في مجرى نهر أبو علي. وينقل مقرّبون من قادة المحاور أن كلاً من عامر أريش وسعد المصري، أقرب المقرّبين إلى علوكي، تبرّأوا منه. كذلك يُغنّي موّال علوكي نفسه كل من حاتم جنزرلي وجلال الحجّي وأحمد كسحة الذين استهدفوا مقرّ الجيش في منطقة الغرباء قرب دوّار أبو علي مرّتين.
سقط أحمد الأسير. رحّب كثيرون وهلّلوا، فيما استاء آخرون وغضبوا. وسواء أهرب أو قُتل أو اعتُقل، لم يعّد الأمر مهمّاً. يكفي أنّ إمام مسجد بلال بن رباح اختفى وسيفتقده أهل صيدا. وبعيداً عن لغة الأرقام والمزايدة، يسود انطباعٌ عام لدى جميع من لم يكونوا في صفوف أنصار الأسير، من أبناء صيدا وجوارها، يشي بالارتياح لزوال الظاهرة الأسيرية التي ارتبطت بقطع الطرق وإقلاق الراحة والتهديد والوعيد والنفخ في نار الفتنة. وعلى خطى صيدا، يشبك كثيرون من أهالي طرابلس أيديهم ويرفعونها بالدعاء والتمنّي كي تتكرر تجربة الجيش الصيداوية في مدينتهم. يحكي بعضهم عن «حملة مرتقبة لتصفية قادة المحاور في طرابلس». والتصفية هنا تتركز بين اثنتين: «التصفية الجسدية والمادية». والأخيرة تُترجم بوقف المخصصات المالية التي يمنحها سياسيو المدينة لهؤلاء. أما الأولى، فالمقصود بها التوقيف. لكن قادة المجموعات يعتقدون بوجود ضمانات تحول دون توقيفهم، تتمثل بالأسرار التي يملكونها عن مشغليهم السياسيين والأمنيين.