لن تتوقف عملية الجيش اللبناني في صيدا إلا بالقبض على إمام مسجد بلال بن رباح في عبرا، الشيخ أحمد الأسير، وإنهاء ظاهرته المسلحة. والجيش رفع درجة جهوزيته الى الحد الأقصى لوضع حدّ لحال الفلتان الأمني في عاصمة الجنوب. هذه هي خلاصة الموقف بعد سقوط سبعة شهداء وأربعين جريحاً للجيش اللبناني في الهجوم الذي شنّه عليهم الأسير ومناصروه، وبث الشائعات والدعوات الى انسحاب العسكريين والضباط السنة من المؤسسة العسكرية، التي أكدت وحدتها وتماسكها، ولا سيما في ظل ارتفاع عدد شهدائها.

وتشكل هذه العملية واحدة من أقسى عمليات الجيش وأهمها، ولا سيما أن مجموعة الأسير بحسب التقديرات تعدّ نحو 250 مسلحاً، وتضمّ لبنانيين وسوريين وفلسطينيين مدرّبين ومجهزين بالأسلحة. لكن حجم العملية التي قام بها الأسير تدل على أن ما حصل مخطط له بدقة، وعلى وجود نية واضحة بضرب الجيش وتحويل صيدا إلى ساحة حرب حقيقية. وما حصل بعد حادثة عبرا، في الناعمة والبقاع وطرابلس وبيروت، من إطلاق نار على الجيش وتوقيف سيارات وإقامة حواجز «طائفية» يشير إلى أن استهداف الجيش في صيدا لم يكن وليد ساعته، بل مخطط له لينشر الفتنة في كل المناطق ويشتت قوى الجيش في أكثر من منطقة.
وجاء الهجوم في وقت كانت فيه قيادة الجيش تجدد عبر بيانات متكررة الدعوة الى تحييد لبنان عن الفتنة وعدم جرّه إليها. لكن ما كانت تخشى منه قيادة الجيش وقع فعلاً، والفتنة التي حذّرت منها مرات عدة وصلت الى عقر دارها لتغتال ثلاثة من ضباط الجيش وأربعة عسكريين «بدم بارد» بحسب بيان قيادة الجيش.
وبعدما استهدف الجيش في عرسال لمرتين، وفي طرابلس أكثر من مرة وسقط له شهداء وجرحى، جاء الهجوم المفاجئ الذي شنه الأسير ومناصروه، وسقوط شهداء وجرحى للجيش، وسط سكوت تام وغض نظر لقيادات تيار «المستقبل» في صيدا.
وفي وقت كانت فيه وحدات الجيش تواجه الهجوم المسلح والقنص وتدمير آلياته، كانت هذه القيادات صامتة، مكتفية باتصالات دعم من دون أي ترجمة فعلية على الأرض. إذ لم يصدر أي بيان استنكار أو رد أو تعليق من الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة والنائبة بهية الحريري إلا بعدما صدر بيان شديد اللهجة عن قيادة الجيش رفض فيه اللغة المزدوجة وطالب قيادات صيدا السياسية والروحية بموقف واضح «إما إلى جانب الجيش اللبناني لحماية المدينة وأهلها وسحب فتيل التفجير، وإما إلى جانب مروّجي الفتنة وقاتلي العسكريين».
ولم تأت بيانات الحريري ونائبي صيدا على قدر التوقعات، لا بل جاءت خالية من أي استنكار واضح لعملية الأسير، حتى إنهم لم يسمّوه بالاسم، واكتفوا ببيانات عمومية حول دعم الدولة ومؤسساتها.
وأكد عضو كتلة «المستقبل» النائب نهاد المشنوق لـ«الأخبار» أن التيار يدعم الجيش لأنه «الخيار الوحيد لحماية السلم الأهلي، ولا خيار آخر لنا». ورأى أن على المؤسسة العسكرية «اتخاذ كل الإجراءات التي تحمي مدينة صيدا وأهلها».
وتعليقاً على بيان الجيش، الذي دعا القيادات السياسية في صيدا إلى الابتعاد عن الخطاب المزدوج، أكد المشنوق «أن لا خطاب مزدوجاً عند قيادات المستقبل، وهي تؤكد دعمها الجيش سياسياً، في الوقت الذي تقول فيه القيادة العسكرية إنها لا تحظى بغطاء سياسي». ورأى أن «الحلّ الوحيد هو في استئصال المشكلة من أساسها وإزالة الورم»، من دون أن يذكر ما هي الخيارات المتاحة أمام الجيش، رافضاً أن يكون الحل في قتل الشيخ الأسير أو اعتقاله «لأن ذلك سيزيد من التوتر الحاصل». وانتقد المشنوق «اختراع ما يسمى سرايا المقاومة التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الفتنة»، رافضاً دعوة الأسير إلى الجهاد لأن «الجهاد لا يكون إلا ضد العدو الإسرائيلي»، كما رفض دعوته عناصر الجيش السنة الى الانشقاق، مؤكداً أن «هذا المنطق غير وارد في أدبياتنا».
في المقابل، رفع الجيش جهوزيته واستنفر وحداته في كل المناطق، وعزّز وحداته في صيدا، وأعطيت أوامر مشددة بضرورة ضبط الوضع وإنهاء حالة الأسير المسلحة التي حاول الجيش مراراً التعامل معها بروية وحكمة من أجل تحييد صيدا عن أي توتر واحتكاك أمني، مهما كان نوعه. لكن الأسير أبى إلا أن يرتدّ على الجيش ويرفع من وتيرة الشحن المذهبي ضده.
واليوم، ينتظر أن يعقد اجتماع أمني وزاري في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال. ويعوّل على هذا الاجتماع من أجل سحب الغطاء عن الذين استهدفوا الجيش وقتلوا ضباطه وجنوده، وإعطاء الدعم السياسي الكامل للجيش من أجل القبض على مطلقي النار، وعدم الرضوخ للتسويات السياسية التي تحاول منذ الأمس القفز فوق دماء الشهداء الذين يسقطون للجيش منذ أشهر عدة.
وكان الرئيس سليمان قد تابع الوضع في صيدا مع وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل وقائد الجيش العماد جان قهوجي. واعتبر أن الدعوات الى العسكريين للانشقاق عن وحداتهم والجهاد ضد الجيش «تصب في خانة مصلحة أعداء لبنان ولن تجد آذاناً صاغية لدى المواطنين اللبنانيين والفلسطينيين، ولدى أفراد الجيش». وأكد أن «الجيش يحوز ثقة الشعب وتأييده والتفافه حوله، كما يحظى بالغطاء السياسي الكامل والشامل كي يقمع المعتدين على أمن المواطنين والعسكريين والمحرضين على النيل من وحدته وتوقيف الفاعلين وإحالتهم الى القضاء المختص».
وصدرت مواقف رسمية وفرت غطاءً سياسياً للجيش في مهمته. فدان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي التعرض للجيش« الذي يشكل صمام الأمان للبنان وجميع اللبنانيين، ولا سيما في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها وطننا». ودعا الجميع الى الالتفاف حول الجيش «ودعم مهمته في حفظ الأمن والاستقرار وعدم الانجرار وراء محاولات تفجير الأوضاع في لبنان». فيما أكد رئيس الحكومة المكلف تمام سلام «ضرورة قيام الجيش والقوى الأمنية بمعالجة الوضع على الأرض بالسرعة الممكنة واعتقال الفاعلين وإنهاء حالة الاستنفار المسلح الذي يهدد المواطنين والسلم الأهلي في عاصمة الجنوب».
ورد الوزير شربل على رئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد، الذي حمّله مسؤولية الأحداث في صيدا لسماحه بترك المربع الأمني للشيخ الأسير، مشيراً الى أنه «كان يحب سعد، إلا أنه بعد هذه الاتهامات سيغير رأيه»، داعياً الجيش «الى أن يكون حازماً مع المعتدين بسبب سقوط شهداء للجيش في الاشتباكات». فيما أكد وزير الدفاع فايز غصن أن «الجيش ليس بمذهبي ولا بطائفي، وهو لكل لبنان».
ونبه الرئيس الحريري، في بيان، من أي محاولة لاستدراج مدينة صيدا الى مواجهة مع الدولة والجيش، مشدداً على «وجوب اتخاذ كل الإجراءات التي تحمي المدينة وأهلها ووقف مسلسل الفتن المتنقلة التي تتهدد لبنان».
ودعا رئيس كتلة المستقبل النيابية النائب فؤاد السنيورة الى «وقف إطلاق النار فوراً بطلب من أهل المدينة وكل اللبنانيين». كما دعا الى اجتماع فاعليات المدينة لفرض العودة الى الاستقرار ومنطق الدولة وتطبيق خطة أمنية.
ورأت النائبة بهية الحريري أن «ما حصل في صيدا هو تدمير للمدينة ولأهلها»، مشيرة الى «أننا حذرنا مما يحضّر للمدينة، ونرفض الفتنة والاقتتال والسلاح لأنه لا يؤدي إلا الى الخراب».
بدوره، شدد رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط على ضرورة أن «ننأى بأنفسنا عن استيراد الفتنة، ونحن مع الجيش لدرء الفتنة»، لافتاً الى أن «صيدا يجب أن تكون عاصمة المقاومة كما كانت أيام مصطفى سعد ورفيق الحريري»، ومؤكداً أن «صيدا عاصمة الجنوب وليست ملكاً لأحد». ولفت جنبلاط الى أنه «لا يمكن أن نطلب من الجيش أن يفاوض من قتلوا ضباطه وعناصره». وأشار إلى أنه اتصل بمسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله الحاج وفيق صفا «ووعدني بسحب المسلحين من محيط عبرا»، مشدداً على ضرورة تشكيل حكومة من دون شروط تعجيزية، وعلى نقل الخلاف من الشارع الى طاولة مجلس الوزراء. وأشار الى أننا «نتواصل مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس الحريري وحزب الله لإخراج البلد من الفراغ الحكومي».
ورفض المسؤول السياسي لـ«الجماعة الإسلامية» في صيدا، بسام حمود، الاعتداء على الجيش، ودعا «الى وقف إطلاق النار، لأن المعركة في صيدا ليست في الموقع الصحيح». ورأى أنه «تم توريط أحمد الأسير بمعركة مع الجيش اللبناني».
وأكدت حركة «أمل» دعمها «المطلق للجيش في مهماته المتنوعة لحفظ الأمن إلى جانب الدفاع عن الوطن».
وأعلنت نقابة المحامين في بيروت تعليق الجلسات والعمل اليوم استنكاراً لما يجري في صيدا وتضامناً مع الجيش.