تحت حر شمس صور، جلس العشرات من اللاجئين السوريين في زوايا الانتظار في مقر المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في الجنوب الواقع في منطقة الحوش. رجال ونساء وأطفال تحولوا إلى أرقام ينادي بها حراس المقر عندما يحين دورهم لتسجيل أسمائهم لدى المفوضية طلباً للحصول على بطاقة لاجئ. المشهد نفسه يتكرر يومياً في المقر الذي تحول إلى مقصد مركزي لجميع اللاجئين المقيمين في المناطق الجنوبية، من العرقوب إلى جزين وصيدا، وصولاً إلى الناقورة.
صفوف طويلة تنتظر دورها منذ الصباح الباكر وحتى ساعات المساء أحياناً. لكن من قصد المقر يوم أمس، حظي بفرصة رؤية المفوض السامي لمفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيرريس الذي يزور لبنان للمرة الثالثة منذ بدء الأزمة السورية. والهدف، معاينة آلية استقبال اللاجئين وتسجيلهم وتقديم الخدمات لهم. نال اللاجئون منه نظرة سريعة وكلمتين: «السلام عليكم» لدى دخوله، و«شكراً» لدى مغادرته. وبين هذه وتلك، كانت العائلات تتقدم واحدة تلو الأخرى لتسجيل أسماء أفرادها وعناوينها وأرقام هواتفها في سجلات أحد الموظفين. تلك السجلات ـ بحسب المسؤولة الإعلامية للمفوضية دانا سليمان ـ تتصرف بالأسماء الواردة فيها لتحديد موعد لإجراء المقابلة معهم بهدف حصولهم على بطاقة لاجئ توفر لهم الحصول على خدمات مختلفة مادية وتربوية وصحية وعينية إلخ... وبحسب سليمان، باتت المدة الزمنية بين التسجيل واستدعائهم لإجراء المقابلة تبلغ شهراً واحداً تقريباً، فيما كانت فترات الانتظار سابقاً تدوم أشهراً عدة. أما الآن، فبفضل زيادة عدد الموظفين وأماكن التسجيل وساعات العمل، تقلصت المدة.
اجتمع غوتيرريس برؤساء اتحادات البلديات في الجنوب للاستماع إلى المشكلات التي تعانيها بلداتهم بسبب تدفق اللاجئين إليها والحاجات التي يطلبونها. رئيس اتحاد بلديات العرقوب محمد صعب، نقل شكوى أبناء شبعا من كثافة وجود اللاجئين الذين سكن بعضهم في بيوتهم الخالية بسبب إقامتهم خارج البلدة. أما رئيس اتحاد بلديات الريحان زياد الحاج، فقد اشتكى من تزايد الحوادث الأمنية والاستفزازات على خلفيات سياسية ومذهبية بين السوريين والأهالي. لكن الرؤساء أجمعوا على أن الأزمة أكبر من طاقة بلدياتهم على الاستيعاب، اجتماعياً ومادياً ومعنوياً. من جهته، شرح غوتيرريس خطة الأمم المتحدة لتوفير المزيد من الدعم والأموال اللازمة لتغطية حاجات اللاجئين والمجتمع المحلي الذي يستقبلهم، والذي استحق ثناءه بسبب حسن الضيافة. ورداً على شكوى ممثل بلدية النبطية، وعد بافتتاح مراكز تسجيل جديدة للاجئين توفر عليهم عبء الانتقال من مناطق بعيدة إلى صور.
وكان غوتيرريس قد شارك في السرايا الحكومية في افتتاح مؤتمر مناقشة خطة الحكومة اللبنانية لمواجهة أزمة النازحين السوريين بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة والجمعيات الدولية غير الحكومية، بحضور وزيري الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور والتربية والتعليم العالي حسان دياب والمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي وعدد من سفراء الدول الغربية والعربية. وأطلق غوتيرريس وميقاتي نداء استغاثة للدول المانحة لمساعدة لبنان في استيعاب اللاجئين السوريين؛ إذ جدد ميقاتي دعوة المجتمع الدولي إلى «التعاون مع لبنان لتقاسم الأعباء الناتجة من تزايد أعداد النازحين»، مشدداً على «ضرورة وضع معايير على الوافدين الجدد بحيث يسمح بالدخول إلى لبنان للذين تنطبق عليهم صفة اللاجئ وتحسين شروط وقدرات استيعاب اللاجئين داخل سوريا من المنظمات الدولية الناشطة وحض الدول على الإيفاء بالالتزامات المالية التي تعهدت تقديمها في قمة الكويت وعدم الاكتفاء فقط بتوجيه المساعدات إلى المنظمات الإنسانية المعنية، بل أيضاً مساعدة الحكومة اللبنانية مباشرة، وخصوصاً في مجالي الصحة والتعليم». وأطلقت دراسة مشتركة من الحكومة والهيئات الدولية المعنية تلحظ كل المتطلبات الإنسانية الأساسية لزهاء مليون نازح سوري في لبنان، وثمانين ألف لاجئ فلسطيني مقيم في سوريا ونزح إلى لبنان و 49 ألف لبناني يقيمون في سوريا. من جهته، لفت غوتيرريس إلى وجود مشكلة أساسية تتعلق بالمنافسة على فرص العمل مع تدني الأجور ووجود آثار سلبية على الحياة اليومية للمجتمعات اللبنانية التي تستضيف النازحين.
وأشار أبو فاعور إلى أن إحصاءات الأمن العام تسجل وجود مليون ومئتي ألف مواطن سوري في لبنان بين نازح ومقيم وعامل من ضمن العمالة التاريخية السورية الموجودة في لبنان. في المقابل، إن حجم المساعدات التي قدمت للدولة اللبنانية، وهي ليست للدولة، بل للمنظمات الدولية العاملة في لبنان في إطار إغاثة النازحين السوريين، وصلت نسبتها إلى 19 في المئة من حجم النداء الذي وُجِّه ومن حجم الحاجات الفعلية.