عمّان | جاءت أخبار الانتخابات الإيرانية عابرة ومحايدة في الإعلام الأردني. حياد يشير الى نهج رسمي يفضّل الابتعاد عن الشأن الإيراني، ما لم يلحّ الشركاء الخليجيون والأميركيون على العكس، مثلما حدث سابقاً حين أطلق الملك عبد الله الثاني تحذيراته ضد ما سماه «الهلال الشيعي» نهاية عام 2004.
وباستثناء أقلام محدودة، فإن جميع الكتابات والتغطيات التي قدّمها الإعلام تعكس حالة الغموض والحياد لدى النظام تجاه السياسات الإيرانية. لكن ما يطفو على السطح أحياناً ييشر الى حجم التخوفات الأردنية من دولة «لا تصنّف صديقة». وقد أبرزت الأزمة السورية انفتاح الأردن النسبي حيال موسكو، يقابله تجاهل لمواقف طهران، سواء ما تسربه صحف عن التهديد الإيراني من تدخل أردني محتمل في سوريا، أو رفض التعليق على عرض السفير الإيراني في عمّان، والمتمثل بمنحة نفطية بأسعار تفضيلية لمدة ثلاثين عاماً.
في ضوء ذلك، لم تحفل الصحافة الأردنية بتحليلات تقرأ نتائج الانتخابات الإيرانية وأثرها على العلاقة بين البلدين، وربما لم يلحظ أحد سوى مقالٍ معمّق بعنوان «حسن روحاني: الاسفنجة» نشره أستاذ العلوم السياسية والمستقبليات وليد عبد الحي، صاحب كتاب «إيران: مستقبل المكانة الإقليمية عام 2020» على صفحته على موقع «فايسبوك». وأشار فيه إلى تغيير روحاني اسمه، وانتحار ابنه الأكبر، وتشكيكه بشهادة الدكتوراه التي يدّعي روحاني أنه نالها في تخصص القانون من جامعة غلاسكو.
المقال ينوّه بخبرة الرئيس الإيراني وعمله في معظم مؤسسات النظام، وصلته بالمؤسسة الدينية (المرشد) ونخبة البازار (ورموز التيار الإصلاحي)، منوّهاً «بوجوده في مركز الدراسات الاستراتيجية الذي يعدّ من المراكز المؤثرة في العقل السياسي الإيراني».
عبد الحي ركّز على أهم دراسات روحاني، وهي «السلسلة الخاصة بالأمن القومي وعلاقته بالاقتصاد وبالبرنامج النووي والبيئة»، مضيفاً إن فلسفته السياسية تقوم على «ضرورة جعل البيئة الإقليمية والدولية أكثر هدوءاً حول إيران، ورؤيته بأن بنية النظام السياسي الإيراني فيه من المرونة القدر الكافي لتمكين أية دبلوماسية من النجاح، وميله لضم أكبر عدد من التيارات إلى جانبه، في ما يمكن اعتباره نوعاً من حكومات الوحدة الوطنية».
ولا يغفل أستاذ المستقبليات أن السياسة الخارجية والدفاعية، بما فيها البرنامج النووي (وبحكم الدستور الإيراني) كلها بيد المرشد، الذي يسيطر كذلك على مجلسي الأمن القومي والشورى، وهو ما سيجعل روحاني مضطراً إلى مهادنة الجناح المحافظ.
ويخلص عبد الحي إلى أن الرئيس الجديد سيؤدي دور «اسفنجة» عبر امتصاص الاحتقانات مع البيئة الدولية من خلال سياسات ذات طبيعة انفتاحية (في الإعلام وبعض المناحي الاقتصادية)، لكن ذلك لن يؤدي إلى تغيير في التوجهات الاستراتيجية بل فقط في «الخطاب» الدبلوماسي الساعي الى تحقيق الاستراتيجية نفسها.
الاستراتيجية التي تحكم النظام الإيراني، وأهمها ما يتعلق بملفات المنطقة هي التي توقع الأردن في سياساته الملتبسة نحو الجمهورية الإسلامية، وما يرافقها من عجز وارتباك إعلامي في تناولها، وإن توقع متابعون مزيداً من الوضوح في الموقف الأردني إذا ما تفاقمت الأزمة السورية وتبلورت حدة الاصطفافات في المنطقة، وهو ما يدل عليه تحذير الملك في خطابه، أمس الأحد، من اتخاذ إجراءات في حال شكلت الأزمة السورية خطراً على بلاده.