… وكأنّ الانتخابات جرت في سويسرا أو في النمسا وليس عند «الوحش النووي» الذي يخيف العالم ويهدد أمن الكرة الأرضية و«يدعم الإرهاب» و«يقمع شعبه» و«يخنق الحريات» و«يقتل الثوار» ولا يعرف شيئاً عن الديموقراطية... كما كرّسته الصورة الغربية منذ زمن. المفاجأة الإيرانية الأولى للإعلام الغربي جاءت في الشكل. فرضت الأجواء الديموقراطية المسالمة التي طغت على الانتخابات لغة لم يعتدها القارئ في المقالات التي تُنشر عن إيران يومياً في الصحف الأميركية والبريطانية والفرنسية.
لغة لم تحيّي جهاراً العملية الديموقراطية في «نظام الملالي» لكنها خففت عيار الاتهامات المسبقة والبروباغندا والتحريض. لغة افتقدها القرّاء والمشاهدون في انتخابات عام 2009 حين روّج الإعلام الغربي لـ«ثورة خضراء» وتبنّاها وأبلس كل من لم يحتضنها.
الصحافيون الغربيون الذين صُدموا بسلمية الحدث الإيراني ورقيّه فضّلوا عدم التوقف عند مفارقة «الديموقراطية والوحش»: تمديد فترة الاقتراع وغياب المشاكل الأمنية والإقبال الكثيف على الصناديق وشفافية فرز النتائج ومواكبة التلفزيون الرسمي لعملية الانتخابات من الشارع وإعطاء الكلام للمواطنين على اختلاف آرائهم، وتواصل المرشحين مع مناصريهم وخصومهم بحرية وسلاسة على مواقع التواصل الالكتروني... تجاهل صحافيو البروباغندا الجاهزة كل تلك التفاصيل وفضلوا الانشغال بالمفاجأة الإيرانية الثانية: فوز حسن روحاني.
«هو المعتدل الذي يعوّل عليه الإيرانيون لتغيير أوضاعهم»، «رجل التسويات الذي قد يجمّد البرنامج النووي»، «عهده سيشبه عهد الرئيس السابق محمد خاتمي في الانفتاح على الغرب»، «هو الذي أعلن أنه يحترم حقوق الانسان والمساواة بين الجنسين والحريات الفنيّة»... وجد الصحافيون ما يحتفلون به في الانتخابات الإيرانية، ملمّحين الى أمل في «إعادة إحياء الثورة الخضراء».
دلفين مينوي في «لو فيغارو» الفرنسية ذهبت حتى الى طرح عنوان «إيران تستعيد ربيعها؟» ومدوّنة «لو موند» التي واكبت ردود الفعل الشعبية على فوز روحاني اعتمدت عنواناً عاماً يقول «إيران تستفيق»، أما صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية فركّزت على «الإصلاحي الوحيد» الذي فاز في الانتخابات.
لكن بهجة البعض بـ«فوز إصلاحي» وتعليق آمال كثيرة على عهده «بعد 8 سنوات من حكم المحافظين»، بددتهما بعض التحليلات. جان بيار بيرين في صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية وضّح أن روحاني هو «محافظ معتدل» و«غير معادٍ للنظام»، بل «أحد رجالات الخميني قبل الثورة الإسلامية وبعدها». لذا، حسب بيرين، فإن الرئيس الجديد سيجد صعوبات في تلبية طموحات الاصلاحيين من الذين انتخبوه». رأي بيرين تكرر في بعض المقالات الأميركية، حيث رأى بعض المحللين أن «الإيرانيين انتخبوا روحاني خشية فوز سعيد جليلي»، واستخلص آخرون أن «الإيرانيين انتخبوا خاتمي ورفسنجاني». «ذي إندبندنت» و«ذي غارديان» نقلتا عن محللين إيرانيين قولهم إن «فوز روحاني لا يعني أن النظام ضعيف أو أن تغيرات جذرية ستحصل قريباً... فالنظام سعى الى أن يكون جميع المرشحين للرئاسة ممن لا يهددونه بغض النظر عمّن سيفوز». «روحاني: صقرٌ أم حمامة؟» سألت قناة «سي أن أن» الاميركية في أحد تقاريرها الذي عدد بعض مواقف الرئيس الجديد المؤيدة للنظام والمدافعة عنه وأخرى المدافعة عن الثورة الخضراء والقريبة من نهج خاتمي. «سي أن أن» كغيرها من القنوات الاميركية ركّزت في تقاريرها على Goodbye Najad أكثر من التعريف بدقة عن خلفه. تقرير «سي أن أن» المتفائل بروحاني ختم بسخرية قائلاً «على خلاف محمود أحمدي نجاد، لن يحتاج روحاني الى مترجم عندما سيتكلم مع قادة الولايات المتحدة أو مواطنيها»، بالاشارة الى «خبرته الدبلوماسية».
ورغم رأي بعض المحللين القائل إن ما جرى في إيران هو دليل على أن «النظام يسمح بتداول السلطة» وإن «الإيرانيين يستطيعون أن يتوحدوا بأغلبيتهم حول رأي واحد عندما يعطون فرصة لتطوير نظامهم»، برز رأي آخر يؤمن بنظرية المؤامرة. سارا دانيال رأت مثلاً في «لو نوفيل أوبسيرفاتور» أن كل المظاهر الديموقراطية التي رافقت الانتخابات الايرانية «ليست سوى خدعة». وتابعت أنه «بعد إبعاد المعارضين الحقيقيين عن الترشح ومنع التظاهرات وإحكام الأمن على مجمل عملية الاقتراع، فإن النظام فعل كل شيء كي تكون هذه الانتخابات صورية».