رغم كل الصراخ الصادر عن أنظمة الحكم في الدول الخليجية على مدى الأيام العشرة الماضية، فإن مواطنيها المتواجدون في لبنان لم يغادروه. "أوامر" الانسحاب فوراً، كما "أوامر" منع دخول الأراضي اللبنانية، التي أصدرها النظامان السعودي والإماراتي، قبل أن تتبعهما أنطمة البحرين وقطر، ثم الكويت، لم تحل دون بقاء مواطني هذه الدول، أسوة بمواطني سلطنة عمان، في لبنان. أصلاً، عددهم ليس كبيراً. فالأزمة السورية انعكست سلباً على عدد زوار لبنان من دول الخليج، والذين كان قسم كبير منهم يقصدونه براً. كما أن الموسم الحالي ليس وقت عطلة في تلك الدول، ما يعني أن عدد الخليجيين في لبنان سيكون في أدنى معدلاته.
يوم 23 شباط 2016، كانت دوائر الامن العام قد أحصت وجود 18181 سعوديا وإماراتيا وكويتيا وبحرينيا وقطريا وعُمانيا على الأراضي اللبنانية. وبين 23 شباط ونهاية يوم 28 شباط 2016، غادر منهم 1395 شخصاً. لكن المفاجأة الإيجابية تظهر في أن الفترة نفسها سجّلت دخول 1184 شخصاً من مواطني الدول الست! وبذلك، وفي هذه الحالة، يكون العدد الإجمالي للمغادرين قد بلغ 211 شخصاً فقط. وتفيد الأرقام بأن أعداد المغادرين في الأيام الستّة المذكورة لا تزيد كثيراً عن مثيلاتها في الأسابيع التي سبقت قرارات الحظر. كما أن معطيات وزارة الداخلية تؤكد أن أعداد زوار لبنان لم تتهاو بصورة لافتة بعد القرارات المشار إليها.
السيد نصرالله يطل اليوم
وقرار التصعيد السعودي ضد
لبنان لا يزال على حاله

تجدر الإشارة إلى أن 5 دول خليجية أصدرت، طوال السنوات العشر الماضية، أكثر من 10 قرارات لمواطنيها بعدم زيارة لبنان او بمغادرته. لكن هذه القرارات لم تثن مواطني تلك الدول عن زيارة لبنان، الذي اتخذ بعضهم منه مسكناً له، ولا يغادرونه، وبينهم أفراد في العائلات الحاكمة في تلك الدول. ويبدو جلياً ان الأشقاء الخليجيين الموجودين في لبنان لم يجدوا أسباباً موجبة لمغادرته، رغم التحذيرات التي أطلقتها السلطات الحاكمة هناك.
على صعيد آخر، استمرت تبعات قرارات "الحصار الإقتصادي" السعودي للبنان بالتفاعل. وقالت مصادر سياسية قريبة من دوار الحكم في الرياض إن آل سعود لا يزالون حانقين على رئيس الحكومة تمام سلام، ويرفضون استقباله، متهمين إياه بتغطية الوزير جبران باسيل الذي نأى بموقف لبنان عن القرارات التي طلبتها السعودية من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، في إطار هجومها على إيران. وبحسب المصادر، فإن موقف الرياض من الازمة الحالية لا يزال متجهاً نحو المزيد من التصعيد. ويجري البحث جدياً في إمكان سحب السفير السعودي علي عواض العسيري من بيروت، رغم الجهد الذي بذله الأخير لمحاولة ثني حكامه عن مثل هذه الخطوة. كما أن البحث يشمل أيضاً وقف رحلات شركات الطيران السعودية إلى لبنان ومنه، فضلاً عن تحشيد الدول العربية لإدانة حزب الله واعتبارها منظمة إرهابية.
ومن المتوقع أن يتطرّق الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى العقوبات السعودية بحق اللبنانيين، في كلمته المتلفزة عند الثامنة والنصف من مساء اليوم، علماً بأن الدافع الرئيس لإطلالته هو استشهاد احد قادة المقاومة البارزين، علي فياض (علاء البوسنة)، في معارك ضد تنظيم "داعش" هدفها منع التنظيم الإرهابي من قطع الإمداد عن مدينة حلب والتمدد غرباً وجنوباً انطلاقاً من محافظة الرقة وريف حلب الشرقي. كما يتوقع ان يتطرق نصر الله إلى الهدنة في سوريا، وما يترتب عليها.
وفي تداعيات قرارات العقوبات السعودية على لبنان، علمت "الأخبار" بأن مجلس الوزراء لم يوقّع بعد مجتمعاً استقالة وزير العدل اشرف ريفي، ما يعني ان الاستقالة لم تبت بعد. وتدخّل بعض الوسطاء لمحاولة اقناع ريفي بالعودة عن استقالته، إلا ان الأخير أبلغهم أنه لن يتراجع. وبحسب المعلومات، فإنه أبلغ كل من راجعه أن استقالته نهائية حتى انه وضّب أغراضه وأخرجها من مكتبه في وزارة العدل. كما ان الرئيس سعد الحريري رفض أيضاً مساعي الوسطاء.
وكان الحريري قد زار أمس الرئيس نبيه بري في عين التينة، ليصدر عنهما بيان تمحور مضمونه حول "المظاهر الفتنوية" التي شهدتها البلاد في الأيام الماضية، "لجهة التعرض الى صحابة الرسول والخلفاء الراشدين"، وما وصفه الرئيسان بأنه "تطاول على مقام الدين الحنيف" ويهدف إلى "الإيقاع بين المسلمين" و"إثارة الفتنة". ورأى البيان ان المشاركين في هذه الأفعال "هم في الواقع أدوات تتحرك في إطار استراتيجية نشر الفوضى التي تتجاهل عدونا إسرائيل، وتعمل على تقسيم الدول وخلق إسرائيليات جديدة وجعل العالم العربي يفقد ذاكرته تجاه فلسطين، وصولا الى إيقاظ الفتنة، ووضعنا على محاور التقاتل الداخلي وإعادتنا عقوداً الى الوراء". وأضاف أن "قادة الرأي في لبنان والقيادات الدينية والسياسية ومختلف مؤسساته الإعلامية والثقافية مطالبة بالتصدي لهذه الحملات المشبوهة ومواجهة كل محاولة لإشعال نار الفتنة حرصاً على لبنان واللبنانيين".
من جهته، استقبل الحريري أمس وفداً من مخاتير بيروت وفعالياتها، معبّراً أمامه عن رفض الإستدراج إلى الفتنة، والحرص على أمن بيروت وأهلها. وكرر الحريري تأكيده أنه باقٍ في بيروت، وانه يؤيد إجراء الانتخابات البلدية، وفق المعادلة التي أرساها والده الراحل الرئيس رفيق الحريري، بشأن اعتماد المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس البلدي للعاصمة.
وفي الإطار عينه، تستمر المساعي لمحاولة التوصل إلى تفاهم بين الحريري وبين الرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي، ليتجنّب "المستقبل" معركة قاسية في عاصمة الشمال، أسوة بملامح اتفاق الحريري مع الوزير السابق عبدالرحيم مراد على التوافق البلدي في انتخابات البقاع الغربي.