وصل الماراتون الانتخابي الإيراني إلى خواتيم تتضح من ورائها صورة الاستحقاق، بشقيه التشريعي ومجلس خبراء القيادة، بعد أشهر على الدعاية الانتخابية، أفضت إلى مشاركة شعبية واسعة بواقع 62 في المئة، وهو رقم اعتبرته القيادة الإيرانية إنجازاً على صعيد انتخابات البرلمان، خصوصاً أن العاصمة طهران كسرت، بعد 16 عاماً، حاجز الخمسين في المئة من نسبة المشاركين في التصويت.البرلمان العاشر سيكون بساطاً متنوع الألوان؛ فلا سيطرة كامله لأحد الأقطاب البارزة على مفاصل البرلمان، وبذلك ربما يكون الأول من نوعه خلال عمر الثورة. التركيبة الحالية لم تعطِ الأغلبية المطلقة لأي من الجناحين، المحافظ والإصلاحي، ليكون دور المستقلين هو الفيصل في تحديد هوية رئيس المجلس المقبل، ولتظهر بذلك النتيجة النهائية والحقيقية للتوازنات السياسية، عندها سيكون المستقلون قد حسموا أمر تحالفاتهم لتتشكل الكتل النيابية ويظهر، على إثرها، التوزيع الحقيقي للقوى السياسية في البرلمان.
عنوان البرلمان المقبل سيكون جامعاً. هو بحاجة إلى تحالفات داخلية تشكل غالبية نسبية ترجّح فيها الكفة للتيار المحافظ، الذي خسر العاصمة طهران بمقاعدها الثلاثين لمصلحة التيار الإصلاحي، إلا أنه حقق تقدماً في المحافظات، لتبقى المقاعد البالغ عددها 65 من أصل 290 الفيصل، أيضاً، بعد انتقالها إلى المرحلة الثانية، التي من المقرر إجراء انتخابات في خصوصها في شهر نيسان المقبل.
المجلس سيحتاج إلى تعاون التيارين لتحقيق الوعود التي أطلقها المرشحون

ينظر النظام الإسلامي إلى المكتسبات التي تحققت من خلال المشاركة الشعبية في الانتخابات، بعيداً عن التقسيمات السياسية. فهو يرى أن كافة المرشحين والفائزين "أبناء الثورة"، وبالتالي يراقب التداعيات والرسائل التي تُقرأ بعيداً عن التجاذبات السياسية الضيّقة. وهنا يبرز واقع جديد، وهو أن الحكومة الإيرانية برئاسة حسن روحاني تعدّ الأولى التي لم تستطع أن تحقق نتائج برلمانية لمصلحتها، كما فعل الرؤساء السابقون. ومثال على ذلك، أن الرئيس الأسبق محمد خاتمي استطاع من خلال انتخابه أن يكسب برلماناً إصلاحياً، خلال دورته الرئاسية، فيما تمكن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد من أن يحصل على مجلس من التوجه السياسي نفسه الذي أوصله إلى الحكم، أما الرئيس الحالي فلم يستطع أن يوجِد كتلة وازنه له في البرلمان بسبب اختياره الخط الوسطي أو "الاعتدال"، ذلك أن التيارين الأساسيين، أي الإصلاحي والمحافظ، كل منها حاول إثبات وجوده، الأمر الذي منع المرشحين المحسوبين على تياره من تحقيق خرق في البرلمان.
العودة الإصلاحية إلى الحياة السياسية، والتي بدأت بدعم روحاني في انتخابات عام 2013 وانسحاب الزعيم الإصلاحي محمد رضا عارف لمصلحته في وجه التيار المحافظ، استُكملت بالمشاركة الواسعة في الانتخابات الأخيرة. فقد قاطع التيار الإصلاحي الانتخابات التشريعية، في عام 2012، بفعل تداعيات الأحداث الرئاسية عام 2009 واتهامه الحكومة بالتلاعب بالأصوات، لكنه عاد اليوم إلى المشاركة، على نحو واسع، حتى إن المرشحين الخاسرين في انتخابات 2009، مير حسين موسوي ومهدي كروبي، والموجودين تحت الإقامة الجبرية، واللذين قاطعا الانتخابات التشريعية الماضية، طلبا التصويت، فما كان من الداخلية إلا أن أرسلت صناديق اقتراع إلى حيث هما في طهران للإدلاء بصوتيهما. لذا، تعدّ هذه الخطوة اعترافاً رسمياً بشرعية الانتخابات وتراجعاً كبيراً في موقف الرجلين من الحكم في إيران.
المعاقل الإصلاحية حققت نجاحاً كبيراً في الانتخابات الحالية، وفشلت في كسر مناطق نفوذ المحافظين التقليدية، وبالتالي فإن المجلس سيكون بحاجة إلى تعاون التيارين سياسياً لتحقيق الوعود التي أطلقها المرشحون في حملاتهم الانتخابية، وعلى رأسها الموضوع الاقتصادي. من هنا سيكون لزاماً على الطرفين التوصل إلى تحالفات ووضع رؤية مشتركة للعمل البرلماني، ذلك أن أي طرف لن يستطيع اتخاذ قرار من دون موافقة الطرف الآخر، خصوصاً أن من المستبعد أن يستطيع المجلس الحالي، الذي تنتهي ولايته بعد إجراء الدورة الثانية، أن يبتّ قرارات الميزانية والخطط الاقتصادية المقدمة من الحكومة، لتنتقل هذه الاستحقاقات إلى المجلس الجديد.
عودة التيار الاصلاحي إلى الحياة السياسية، بعد اقتناعه بعدم جدوى بقائه في دائرة المقاطعة، ستعيد الحيوية إلى الحياة السياسية في إيران، التي من دون أي مفاوضات داخلية أنتجت عن طريق الاقتراع مجلس تكنوقراط، مع أفضلية نسبية للمحافظين الذي سيقومون كما الإصلاحيون بالتوجه إلى إقناع المستقلين الذين تجاوزت نسبتهم 10 في المئة، بالانضمام إلى كتلهم النيابية تحضيراً للانتخابات الرئاسية المقبلة في صيف 2017، والتي باتت أكثر ضبابية بعد النتائج الأخيرة التي أفرزتها الانتخابات التشريعية.
في غضون ذلك، حسمت نتائج مجلس خبراء القيادة، عبر حصد لائحة "جامعتين"، وهي لائحة مشتركة لـ"جامعه مدرسين حوزه" و"جامعه روحانيت"، الأغلبية المطلقة في المجلس، فيما سجلت سابقة بانتخاب محسن إسماعيلي في طهران ووصوله إلى مجلس خبراء القيادة، تحت عنوان أول عضو من غير رجال الدين، فهو درس العلوم الدينية ونجح في امتحان الكفاءة، ليكون الوحيد بلباس مدني في المجلس الخامس لخبراء القيادة.