تونس | للعام الثالث بعد رحيل بن علي، يحتفل الصحافيون التونسيون بيوم حرية الصحافة، وسط مناخ من الإحباط بعدما «انقلب عليهم» الحكّام الجدد وفق عبارة تقرير «مراسلون بلا حدود». بعد عامين ونصف على سقوط النظام الديكتاتوري، لم يتخلّص الصحافيون من الخوف. مناخ العمل أصبح سيئاً، والاعتداءات عليهم تكاد تكون أسبوعية. فجر الأحد الماضي، اعتُدي على سليم بقة صاحب جريدة «الجرأة» في بيته. ويوم الأحد أيضاً، شهدت مدينة سيدي بوزيد اعتداءً على الصحافيين الذين كانوا يغطّون ندوة لحزب «نداء تونس». أما أول من أمس، فقد خصّص طارق الكحلاوي مدير «معهد الدراسات الاستراتيجية» التابع لرئاسة الجمهورية النصيب الأكبر من خطابه في شارع بورقيبة أمام أنصار حزب «المؤتمر» لـ«إعلام العار»، وهي التسمية «الرسمية» التي اختارتها الترويكا الحاكمة لنعت الصحافيين الذين لا «يباركون» إنجازاتها.
منذ صعود الترويكا، كانت حرية الإعلام واستقلاليته المستهدف الأول. أقيم اعتصام بإشراف قيادات من حركة «النهضة» أمام مؤسسة التلفزة الوطنية دام شهرين وانتهى بالاعتداء على صحافيين.

كذلك خصّص أنصار «النهضة» صفحات على الفايسبوك لشتم الصحافيين، وهو نوع آخر من الاعتداءات التي بلغت حد التهديد بالقتل، كما حدث لسفيان بن فرحات، وسفيان بن حميدة، وحمزة البلومي من قناة «نسمة»، وزياد الهاني القيادي السابق في نقابة الصحافيين.
وما يؤكد الاستهداف الممنهج للصحافيين، عدم إقرار المرسومين ١١٥ و١١٦ المنظمين للمهنة، وعدم تشكيل «الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري» ولا تجديد البطاقة المهنية للصحافيين. أما النادي الثقافي والاجتماعي التابع لصندوق تآزر الصحافيين، فما زال محل تنازع قضائي بعدما اقتحمته قوات الأمن. تُجمع النخب التونسية على أنّ حرية الصحافة وتأسيس الجمعيات هما الإنجاز الوحيد الذي تحقق بعد الثورة. لكن حرية الصحافة أصبحت مهددة بسبب الرغبة المحمومة للسيطرة على القطاع من جديد حتى يستتب «الأمن الاجتماعي» للترويكا الحاكمة. الإعلام بقي وحده يقاوم عبر نشر كواليس الفساد للحكام الجدد وأعضاء المجلس التأسيسي وكل أنواع التجاوزات. وبالتالي أصبح مزعجاً للسلطة التي تريد كبح جماحه. لكنّ الذين ذاقوا نعيم الحرية بما فيه من تعب وألم، لا يمكن أن يعودوا إلى بيت الطاعة، وخصوصاً أنّ عدد الصحافيين تضاعف بعد ظهور الصحف والإذاعات والتلفزيونات، ما أتاح لمئات متخرجي معهد الصحافة الاندماج في الحياة المهنية.
والواضح أنّ الصحافيين الذين خاضوا للمرة الأولى إضراباً عاماً في الخريف الماضي، ليسوا مستعدين للتنازل. هم يدركون أنّ أي تراجع أو تنازل للحكام الجدد سيعود بهم إلى ما قبل «١٤ يناير» أو ربما إلى أسوأ من ذلك، مع سلطة يسيطر عليها حزب لا تخفى توجّهاته الدينية.