الرصاصة الأولى أخطأت قلبه واستقرّت في قدمه اليسرى. لكنّ الزمن لم يكن طويلاً أمامه ليعيش من جديد. حالما تماثل للشفاء، عاد إلى الحياة ليتوجه بالشكر إلى أصدقائه وكل من سأل واطمئن عليه، حتى كانت البنادق جاهزة في انتظاره من جديد. هذه المرة، كانت أكثر دقة في التصويب نحو الهدف. في مساء 22 آب (أغسطس) 2012، قتل الصحافي مصعب العودة الله (1977ــ2012) في منزله الكائن في عشوائيات نهر عيشة بالقرب من حي الميدان. قتل لأنّه كان معارضاً شرساً سلاحه الفكرة والقلم، وصحيفته هي الجريدة الناطقة باسم الحكومة السورية (جريدة «تشرين») التي لم تجرؤ على ذكر الخبر أو نعي الرجل ولو بسطر عابر.
ذلك ما اعتبره مراقبون وصمة عار في وجوه وصدور كل المسؤولين السوريين والقائمين على المناصب الإعلامية. الصحافي الذي بدأ حياته في الصحافة الرياضية يحمل شهادة معهد الإعداد الإعلامي لاتحاد الصحافيين في وزارة الإعلام السورية، وكان يكمل دراسته في كلية الإعلام في «جامعة دمشق». وقد غطى عشرات الأنشطة الرياضية في سوريا والوطن العربي. كذلك عمل في الصحافة الفنية وتعامل مع أكثر من منبر، وكان حريصاً على ألا يتحول إلى نموذج إلغائي كما تفعل الكثير من الشخصيات المعارضة هذه الأيام.
لم يسبق له أن شنّ هجوماً مجانياً على أحد. ورغم الخلافات الحادة مع بعض رفاق دربه، كان يعرف كيف يحفظ لهم حقهم بأن يكونوا أحراراً تماماً كما كان حراً، ودفع حياته ثمناً لنشاطه المناصر للحراك الذي انطلق سلمياً. عمل مصعب مع تنسيقيات حوران واستخدم اسم «أبو سعيد» أثناء ظهوره على بعض الفضائيات العربية لتغطية ما يحدث، ودخل درعا أكثر من مرة ليوثّق بالصور. ثم عمل مراسلاً سريّاً لتلفزيون «أورينت» ووكالة «رويترز»، وأصبح ممثلاً لمدينة نوى في اتحاد تنسيقيات حوران (المكتب السياسي).
في نادي الصحافيين في حي المهاجرين الدمشقي، كان مصعب يداوم على طاولته المعتادة قبل الانخراط في العمل السياسي والتغطيات الميدانية السرية لأحداث «الثورة». هناك لن يخيب ظن كل من يطلب منه حبات الهال التي اعتاد أن يحتفظ بها في جيوبه أينما حل، بينما كان المقربون منه يحفظون جملة اشتهر بها وظل يرددها دائماً فيقول: «لن أغيّر عطري حتى تعتادني النساء ولو كنّ عابرات». أحاط به أهله وشيّعوه جسداً اخترقته عشرات الرصاصات، وبثّت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع من التشييع، وسط تكتّم الإعلام الرسمي الذي بقى ينتمي إليه رغم كل نشاطه.