صورة كاريكاتورية ساخرة تصوّر ديناصوراً قارب على الانقراض تقابله أيقونات وسائل التواصل الاجتماعي. صورة متناقضة تجمع العصرية مع الرجعية كتعليق عمّا يجري حالياً بين «نقابة الصحافة اللبنانية» وبقية الأفرقاء الذين ساهموا في وضع المشروع الجديد للإعلام من نواب ومحامين ومجتمع مدني، خصوصاً جمعية «مهارات» التي كرّست الجزء الأكبر منه للإعلام الإلكتروني.
قبل أسبوع، وتحديداً في 22 نيسان (أبريل)، استفاقت النقابة على «امتيازاتها»، فقالت إنّ هذا المشروع ينسف «تنظيم مهنة الصحافة كمهنة حرة ويجعلها مجرد شركات تجارية» تمهيداً لإلغاء دور نقابتي الصحافة والمحررين. وفي بيان عالي اللهجة، وصفت هذا المشروع «بالخطر» وينشر «الفوضى» التي ستضاعف الانقسامات السياسية «وتغذي أجواء الفتن في البلاد». واستكملت النقابة تهديدها عبر استغلال علاقاتها مع الرئاسات الثلاث للضغط صوب عدم إقرار القانون بالتنسيق مع لجنة الإعلام والاتصالات في المجلس النيابي.
من جهتها، أكّدت «مهارات» أنّ هذا المشروع «يحرر الصحافة اللبنانية ويفتحها على عصر تكنولوجيا المعلومات وحرية إصدار المطبوعات ونشر المعلومات وتداولها». وهو بذلك يوسع هامش حرية تأسيس الصحف المطبوعة من دون تمييز بين سياسية أو غيرها، لكون تناقل المعلومات اليوم عابراً للحدود ويخرج عن أي تصنيف أو رقابة. توسيع الهامش هنا من شأنه توسيع مروحة الأصوات الجديدة التي ترغب في إصدار الصحف بحرية، ما تعتبره «مهارات» انعكاساً للتعددية في المجتمع اللبناني. لعلّ النقطة الأبرز في الكباش هي الادعاء بأنّ هذا المشروع سيلغي امتيازات النقابتين ودوريهما في «القبض» على أنفاس المهنة. لكنّ السؤال الذي ردّت به الجمعية كان كفيلاً بتوجيه البوصلة الى مكانها الصحيح عندما طالبت النقابة بإطلاع الرأي العام على «الإنجازات والإصلاحات» التي حققتها النقابة في مجال تطوير المهنة وحماية العاملين. وما قانون المطبوعات المهترئ إلا دليل على تشويه العمل النقابي وعدم جدية النقابة في السير في ركب الزمن ومواكبته في سبيل الإصلاح.
وأمس، تداعت النقابة الى اجتماع وصفته بالطارئ للرد على مشروع الإعلام الجديد قوامه مستشارو النقابة القانونيون الذين أعلنوا رفضهم الكامل له، خصوصاً المادة المتعلقة بإباحة إصدار المطبوعات الصحافية من دون ضوابط قانونية. وفي لهجة تهديدية تهويلية، ادّعت أنّ مضمون القانون سيسبّب الفوضى وسيشكل «خطراً حقيقياً على مسؤوليات الصحافة الوطنية لجهة صيانة مستقبل لبنان». كذلك، دانت ما سمّته الاستخفاف بدور وزارة الإعلام ونقابتي الصحافة والمحررين وإلغاء دوريها وتخطّي «الحقوق المكتسبة» لأصحاب الصحف، لا سيما المنتسبين الى النقابة الذين يحق لهم بأن يكونوا مديرين مسؤولين عن الصحف. وختم البيان بكلام أقرب الى المونولوج المسرحي بالقول إن نقيب الصحافة سيغتنم ذكرى شهداء الصحافة في 7 أيار (مايو) «لمصارحة الرأي العام بكل ما بات يتهدد الصحافة اللبنانية من أخطار حقيقية».
إذاً معركة جديدة افتعلتها النقابة حفاظاً على حقوقها ومكتسباتها من دون أن تقدم في السنوات الماضية أي إنجاز لتحسين المهنة وتطويرها. بلغة خشبية، أرادت النقابة تحدي الزمن الرقمي والانفتاح وكسر الحصرية في امتلاك المعلومات. معركة لا يُعرف متى تنتهي وكيف ستؤول إليه الأمور في إقرار التعديلات القانونية على قانون الإعلام الذي وصل الى حافة الإقرار والتبنّي.