لم تتغير موازين القوى في الميدان السوري. لم ترجح كفة قوات النظام. كما لم تُهزم قوات المعارضة المسلّحة. ستاتيكو، بتعديلات طفيفة، يسود جبهات القتال. الكر والفر هنا السمة الأبرز في مناطق المواجهة المشتعلة، أما باقي خطوط التماس فتعيش «هُدنة معلنة». تخرقها أحياناً رصاصة قنّاص أو قذيفة هاون. في المحصلة، تخضع معظم مناطق الريف السوري وبعض القرى المحيطة بالمدن لسيطرة قوات المعارضة المسلّحة، فيما لا تزال جميع مدن سوريا في قبضة النظام.
هجومٌ يُقابله هجوم مضاد. انسحابٌ تكتيكي، تموضع ثم إعادة إغارة مجدداً. تبادل أدوار بين مسلّحي المعارضة وقوات النظام. هذا ما يجري. إذ تُسيطر قوات المعارضة على منطقة تابعة للنظام، فيتدخل الجيش السوري لتحريرها. كذلك يحصل مع المعارضة. تسقط إحدى المناطق الواقعة تحت سيطرتها في قبضة النظام، فتستجمع قواها لتستعيدها. في الشكل، يأخذ الكباش المسلح في بعض المناطق هيئة «دوائر النار». فعلى سبيل المثال، أحكمت المعارضة المسلّحة سيطرتها على مدينة القصير. تدخل النظام لمحاصرتها. عندها استقدم المسلّحون مؤازرة تمكنوا بواسطتها من محاصرَة القُوّة المحاصِرة نفسها. وهكذا، باتت الدائرة الصغرى والكبرى بيد المعارضة، فيما الدائرة الوسطى للنظام. أما كيفية تجاوز خط الحصار لكلا الطرفين، فدائماً يُحلّ بالمال. لكُل حاجزٍ، لدى الجهتين، تسعيرة معينة. أحد حواجز القصير، على سبيل المثال، يؤجّر بأربعة ملايين ليرة سورية لمدة ثلاث ساعات. يقبض حرّاسه الثمن مقابل إخلائه المدة المتّفق عليها.
وبالعودة إلى توزّع موازين القوى، تقسم الخارطة العسكرية السورية إلى معسكرين. وتوزع إلى مناطق آمنة وأخرى أقلّ أمناً، تليها مناطق الاشتعال. في المعسكر الأول، المناطق الخاضعة بشكل تام لسيطرة النظام كمناطق الساحل: اللاذقية (باستثناء بعض ريفها)، طرطوس ومدينة بانياس. يُضاف إليها السويداء ومدينتا دمشق وإدلب. يقابلها تلك الخاضعة لسيطرة المعارضة كريف إدلب الشمالي والغربي وجزء من الريف الجنوبي والشرقي، إضافة إلى أجزاء كبيرة من ريف حلب وريف حمص ومعظم الرقة وريفها وجزء كبير من ريف الحسكة وجزء من دير الزور وريفها وجزء من ريف درعا وبعض المناطق المحررة في الجولان، علماً أن السمة الرئيسية للمناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة هي كونها مناطق معارك واشتباكات.
هـذا في العناوين. أما في التفصيل، فتُعد مناطق المالكي والميسات وأبو رمانة والمزة والمزرعة في دمشق الأكثر أمناً، رغم سقوط بعض قذائف الهاون أحياناً على أطرافها. يُضاف إليها مناطق كرم الزيتون والزهرة ومنطقة المزارع. ويليها مناطق تُعتبر آمنة نهاراً فقط، لكنها تزداد خطورة في الليل. كـ«مساكن برزة وباب توما وساحة العباسيين». إذ على بُعد كيلو متر واحد من العباسيين، يتمركز قنّاصان متقابلان من قوّات النظام ومسلّحي المعارضة.
وفي ريف دمشق، لا تزال الجبهة مشتعلة في كل من جوبر وزملكا وعربين والمعضمية منذ أكثر من أسبوعين. أما داريا، فرغم الحملات العسكرية المركزة عليها، لا يزال يخضع معظمها لسيطرة قوى المعارضة. وبالنسبة إلى طريق المطار، فقد أصبحت تحت سيطرة النظام، باستثناء نقطة الربط بين الغوطة الشرقية والغربية التي تشهد بعض الاشتباكات أحياناً. يُشار هنا إلى أن جميع الطرقات الدولية محمية من النظام، إلا أنها تتعرض أحياناً لهجمات مسلّحي المعارضة.
هناك أيضاً، وجود للمعارضة في الحجر الأسود واليرموك والزبداني وداريا وقطنة والغوطة الشرقية والغوطة الغربية. أما جوسيه، فيتقاسمها النظام والمعارضة، لكن حصة الأخيرة تبلغ أقل من الثلث على الحدود مع لبنان.
وفي محافظة حمص أيضاً، تقع كل من تلبيسة والزعفرانة والرستن والدار الكبيرة تحت سيطرة المعارضة. كذلك الأمر بالنسبة لمناطق البويضة والخالدية وباب السباع ومدينة القصير. ويصل وجود المعارضة حتى أطراف مدينة حمص. ورغم أن هذه المناطق محاصرة من قوات النظام بشكل كامل، إلا أن هناك محاولات لاستعادتها من قبل المعارضين.
وبالنسبة إلى المناطق التي يسود فيها نوع من الهدنة المعلنة، فتمتد على طول جبال القلمون وطريق النبك السريع، علماً أن النظام يستخدمها لنقل عناصره إلى حمص.
أما حماه، فتسيطر قوات المعارضة المسلحة على جزء كبير من ريفها، لتبقى المدينة في يد النظام، علماً بأن المعارضين يصفونها بأنها باتت «ثكنة عسكرية». يذكر هؤلاء أن قوات النظام حفرت خندقاً حول المدينة لمنع مرور أحد إلا عبر المعابر التي تتحكم بها القوى الموالية.
أما حلب فتنقسم بين المدينة والريف. وفيما يسيطر النظام على ثمانين في المئة من المدينة، تقع غالبية مناطق الريف تحت سيطرة المعارضة. وتشهد بعض مناطق التماس فيها عمليات عسكرية، فيما يسود الهدوء في المناطق الأقرب إلى تركيا، باستثناء تلك التي تتعرض لقصف صاروخي أو غارات جوية. وفيما لا تزال تدمر القديمة بيد النظام، تسيطر المعارضة على القرى المحيطة بها.
اللاذقية وطرطوس وبانياس تقعان تحت سيطرة النظام، علماً أن بانياس هي أول من خرجت فيها تظاهرات بعد درعا، التي تعيش في هدوءٍ بعد خضوعها لسيطرة النظام، باستثناء الخط المؤدي إلى الأردن الذي يقع تحت سيطرة المعارضة. والسويداء أيضاً تنضم إلى قافلة المناطق المقفلة تأييداً للنظام، علماً أن ابن المنطقة، الضابط المنشق خلدون زين الدين، شكّل كتيبة «سلطان باشا الأطرش» المعارضة، قبل أن يلقى مصرعه في اشتباك مع الجيش السوري.