ظهر الأحد في العاشر من شباط عام 2008، وصل الحاج عماد مغنية إلى منزل أهله. كان الموعد شبه الدوري للقاء العائلة أسبوعياً على مائدة غداء تتولى إعداد أطباقها الحاجة أم عماد، والحاجة أم مصطفى زوجة الشهيد. في الليلة السابقة، كان الحاج قد وصل فجأة إلى منزل الأهل، وكانت زوجته برفقته. دخلا بعدما انتظرا طويلاً ليفتح أحد الباب. واكتشفا أن الحاج فايز والحاجة أم عماد قد خلدا إلى النوم باكراً. غادرا بهدوء. وعادا في اليوم التالي حيث كان الجميع بالانتظار.

لم يكن هناك شيء لافت. أحاديث عامة عن العائلة والأولاد وأخبار الأهل. وكما في كل مرة، يحاول بعض الحاضرين من الأهل استدراج الرجل للحديث عن أعماله، كان جوابه هو ذاته: ابتسامة وصمت وعودة إلى حديث آخر.
أخبار الحاج عماد وأسفاره لم تكن معلومة أبداً حتى بعد حصولها. تعودت العائلة غيابه. مرات يسافر لوقت طويل قبل أن يطرق الباب فجأة. في تلك الليلة لم يشر الحاج إلى سفر قريب له. لكن في اليوم التالي، جرى حديث بين أم عماد وأم مصطفى. قالت الأخيرة إن الحاج سافر إلى سوريا على ما يبدو، وقال إنه لن يتأخر في العودة. وسارت الأمور على ما تعوّده الجميع. علماً بأنّ العائلة كلها صارت تنتبه إلى أن الحاج الشهيد صار أكثر انشغالاً من قبل، وهو حاول تكريس اللقاءات الأسبوعية لتعويض غيابه الدائم. وكان الكل يسمع عن مرحلة إعادة البناء للمقاومة على أسس جديدة. لكن العائلة لم تكن تعرف على الإطلاق طبيعة الدور الذي يقوم به الشهيد.
ليلة الثلاثاء في 12 شباط، سمع الجميع بالخبر الوارد في دمشق عن انفجار غامض في محلة كفرسوسة. الحاجة أم عماد استفاقت في اليوم التالي، وأعدت نفسها لزيارة ابنتها التي دخلت المستشفى في حالة طارئة. قرب المنزل صادفت «أحد الشباب»، كانت عيناه متورمتين من بكاء. توجه إليها وسألها إلى أين تذهب. ثم طلب منها العودة إلى المنزل بانتظار أن يحضر هو سيارة ويأخذها إلى المستشفى. وبعد قليل، وصل قياديان من الحزب، ومن أصدقاء الحاج وأصدقاء العائلة.
لم ينتظر الوالدان الوقت ليسألا عمّا يجري. قال الأول إن الحاج أُصيب في حادث سيارة، وهو الآن في المستشفى. لم ترق الرواية الوالدين. أبو عماد صمت، وفكر في أن يكون عماد قد مات بحادث سير، كاد يموت حنقاً لو أن الخبر صحيح. لكن المسؤول الآخر أجاب عن سؤال مباشرة للوالدة قائلاً: لقد استُشهد الحاج.
صرخت أم عماد بأعلى صوت لها منذ ولادتها. أما الحاج فايز، فقد فهم أن الحاج استُشهد اغتيالاً، فتوجه كما الحاجة أم عماد إلى غرفة داخلية. أديا صلوات فيها شكر، بينما قررت هي وقف البكاء. قالت في نفسها: إذا شاهدني العالم وأنا أبكي، فإن قتلة عماد سيفرحون أكثر. أما الحاج فايز، فجلس مرتاحاً؛ لأن عماد رحل بالطريقة التي تليق به، شهيداً في المعركة التي أمضى حياته في قلبها.
ربع قرن من المطاردة. روايات وأساطير نسجتها الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية عن عماد مغنية. القسم الأكبر كان واضحاً أنه نتيجة الفشل في الوصول إلى الرجل. ولما حصل الأمر، احتفى الإسرائيليون بإنجازهم الأكبر ضد المقاومة في لبنان. لكن الخيال استمر حتى في ما يتعلق بعملية الاغتيال نفسها. لكن الحقائق غير كل ما قيل من 12 شباط 2008.
في ما يأتي خلاصة تحقيق ميداني واستقصائي، انشغل فريق من «الأخبار» لفترة طويلة قبل إعداد هذه المادة والتأكد من صحة المعلومات التي جمعت، والتي ساعد سوريون نافذون في جمعها وتسهيل الحصول عليها. أما المقاومة، فقد واصلت التزام سياسة الصمت، وإن كان مسؤولون فيها قد أكدوا لـ«الأخبار» أن لدى قيادة حزب الله الصورة الكاملة عن كل ما جرى.
تطلّب التحقيق في مرحلة، جمع صور ووثائق تتعلق بالتحقيقات، وتطلّب في مرحلة معينة العمل على محاكاة لإعادة تمثيل الجريمة، ما أمكن الوصول إلى شروحات مصورة قد تساعد على فهم ما حصل في تلك الليلة الحزينة قبل 5 سنوات.